وتدور بِنَا مشاعرنا كالكرة الأرضيّة التى لا تتوقف مطلقاً عن الحركة دورات متتالية يومية كتلك التى تقوم بها كل ٢٤ ساعة حول نفسها أو سنوياً حول الشمس فتكبر معنا أو تنكمش وتتقوقع حول نفسها وتدخل شرنقة لتختبئ عن الأنظار فى محاولة للعودة للحياة فى مشهد جديد مرتدية ثوبها الحريرى النادر الثمين الذى صنعته بنفسها (ملكة الأنسجة بلا منازع)، وهو اللقب التى أطلقه عليها علماء الطبيعة والأحياء فى حديثهم عن دودة القز وتعريفهم لها ولدفئها الخلاق المبدع، حيث تتبدل وتتحول لتصبح روحاً زاهية ناعمة مشرقة مقبلة على الحياة بكل تفاصيلها.
ونعود لمشاعرنا شبيهة الملكة فنقول إنها قد تطول وتزيد وتنمو أو تتقلص أحياناً كما لو كانت شخصاً ينمو ويزيد وزنه فيخضع لأطباء التغذية لينقصه، وعندما تفشل تلك الأنظمة الكيميائية والنباتية والبروتينية وصاحبة الأسماء الحديثة غير الواضحة المعنى أو المغزى، فيضطر إلى أن يستسلم ليد الجراح القاسى النظرات والكلمات والأصابع والأدوات، فمشرطه لديه نفس القسوة والإصرار على تنفيذ ما يراه صواباً بالرغم من أنه كثيراً ما يخطئ، كما أن أرقام الدخول لعالمه فلكية بجميع العملات المحلية والأجنبية الخضراء والحمراء، وغالباً ما نضع أمامها أربعة أصفار. وتدور بِنَا مشاعرنا مع عقارب الساعة وتقفز فوق الأرقام والدقائق والثوانى وتضيف إجماليها وتجبر كسورها وتحولها لساعات صحيحة ولأيام، وتجمع الأيام لتصبح أسابيع ثم شهوراً وبعدها سنوات.
وعندما تتقلص المشاعر وتتحول لذكريات فإننا نبذل جهداً خارقاً للحفاظ على تلك البقايا، فنتردد على نفس الأماكن، ونتناول نفس الطعام، حتى وإن أحسسنا بالفرق الكبير فى المذاق بين الماضى والحاضر والصحبة المحببة للقلب والممتعة للعين والمشبعة لجميع الرغبات والوحدة والونس والوحشة وحضن الوطن والغربة والبيت والطريق والأرض الممهدة، والأخرى المليئة بالحجارة الحادة التى تدمى الأقدام، وتجهد البدن، وتسرق الساعات الطويلة للوصول للهدف، وقد لا يحدث وتبتعد المحطة المنشودة كلما زادت علامات الإجهاد، إلا أن الرغبة الشديدة فى اجترار الذكريات والعودة لتلك اللحظات البديعة التى نغرق فيها فى دفء القلوب تدفعنا للاحتمال والانتظار.
وتستمر مشاعرنا فى الدوران طالما لدينا قلب ينبض ويرى ويتأمل ويختار ويدقق فى الملامح والألوان، ويستمع للكلمات والموسيقى والأغنيات، ويقرأ أبيات الشعر، ويبحث فى فضول ممتع عن وحى كل عمل فنى مبدع، ليتوقع قصة حب رومانسية تسعده تفاصيلها، ويبحث وينتظر نهايتها، فهو أول مَن يدرك جيداً أن دفء القلوب وراء كل ما يمتعنا، ووراء كل مولود جديد، سواء كان إنساناً أو نباتاً أو وردة أو علماً أو نظرية حسابية أو كيميائية أو حتى قانونية، أو شيئاً معنوياً، فالدفء يدفع بالجديد للحياة، لأنه نقيض البرودة والموت والصقيع والتجمد.
وبحثاً عن دفء القلوب أدركت فى تلك الرحلة التى استغرقت منِّى فترات طويلة أنها كدرجة حرارة الجسم الداخلية، تعتمد بشكل كبير على التوازن ما بين فقدان الحرارة وإنتاجها. وإذا كان للجسم قدرة للحفاظ على درجة حرارته فالأمر متشابه مع القلب، إلا أنه فى بعض الأحيان، ونظراً لحدوث بعض المشكلات الصحية، فقد ترتفع درجة الحرارة أو تنخفض عن المعدل الطبيعى وتخرج عن السيطرة، لذلك فعلى كل منا أن يعرف جيداً درجة حرارة جسده الطبيعية حتى يكون قادراً على معرفة أى تغيير يحدث لها عما هو طبيعى، ليحافظ على دفء قلبه وقلوب أحبته.