لا أعرف عملاً فنياً درامياً معاصراً ينشر الحب فى المجتمع الإنسانى والحياة مثل دراما «الخواجة عبدالقادر»؛ حب الله، وحب الإنسان، وحب كائنات الحياة.
ولا أعرف عملاً فنياً درامياً معاصراً جاء بالجمال، ومقترباً من الاكتمال على النحو والمستوى اللذين جاء عليهما مسلسل «الخواجة عبدالقادر».
ولا أعرف عملاً فنياً درامياً معاصراً قدم قصة حب بالقوة والتأثير اللذين اتسمت بهما قصة حب عبدالقادر (بأداء يحيى الفخرانى) وزينب (بأداء سلافة معمار)، إنها قصة حب رقيقة راقية، مؤثرة آسرة، جميلة كاملة، مبكية مبهجة، فى زمن عز فيه تقديم الأعمال الفنية لقصص حب يتفاعل معها ويتفاءل بها الناس.
«زينب» هى كما تقول بالضبط مؤديتها، الممثلة العربية السورية الكبيرة سلافة: «مشاعرها مركبة وتبدو مثل الطفلة التى تحتاج إلى مزيد من الحنان والرومانسية وتبدو شرسة أحياناً». والحق أن أول ما يجمع بينها وبين عبدالقادر، هى هذه البراءة المتناهية الآسرة كالأطفال، والإصرار على ما يراه الإنسان السوى سليم الفطرة، حقاً وخيراً وجمالاً، الإصرار إلى حد الشراسة والعند كالأطفال أيضاً!
مسلسل «الخواجة عبدالقادر» إبداع جديد لمؤلف نابغة وصادق مرهف هو عبدالرحيم كمال، وإبداع أول لمخرجه النابه شادى الفخرانى، مع إبداع عبقريتين فى التمثيل هما يحيى الفخرانى وسلافة معمار، وذروة الأداء التمثيلى، أتقنته كوكبة، مثل أحمد فؤاد سليم وصلاح رشوان ويوسف إسماعيل فى أحسن أدوارهم، والقدير محمود الجندى، والمخرجة المؤدية المقتدرة نبيهة لطفى، إلى الأطفال خاصة أحمد خالد، مع تصوير ومونتاج وديكور وموسيقى بلغ كل منها مدى بعيداً فى البراعة.
إن «الخواجة عبدالقادر» عمل وجد ليبقى، وسوف يكون تأثيره غداً أكبر، إن «عبدالقادر» هذا ظهر فى حياتنا بالمحبة وجمال الروح وذكاء النفس والدعوة إلى الخير والوصول إلى المحبوب وجوهر الحب الذى هو ذاته جوهر الحياة، حياة تستحق أن تعاش، ونستحق أن نحياها، ظهر عبدالقادر لكنه لن يختفى أبداً، ليس هذا النموذج البشرى الجميل، وليس هذا العمل الفنى البديع، مما يظهر ليختفى، بل ليزداد حضوراً، وتأثيراً، وانتشاراً.
وبعد، لا تزال فى الآذان والوجدان، معالم وعبارات من الصرح الدرامى «الخواجة عبدالقادر».
انظر على سبيل المثال الحوار العذب بين زينب وعبدالقادر، تقول له بحسم فى الحلقة (16):
- عشان هو بيحب.. والحب زى الروح.. لا بيروح ولا بيخلص.
فيقول لها:
- انت بتتكلمى زيه.. زى الشيخ عبدالقادر.
أما موت «الشيخ عبدالقادر»، الذى أداه بامتياز إبراهيم فرح، فهو لن ينسى أيضاً، فكرة وتنفيذاً وأداء، ولأنه حياة أخرى وعلى الدوام، ولأن الرحيل هنا حضور مستمر لا غياب، ولأن.. «الأحبة لا يموتون».
وكما هو مكتوب على مقام الخواجة عبدالقادر من البداية إلى النهاية: «الناس موتى.. وأهل الحب أحياء».