تعليقاً على المقال المنشور فى جريدة «الوطن» يوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2019م، بعنوان «بين القانون والسياسة»، وردت لى رسالة عبر الواتس آب من الصديق العزيز اللواء الدكتور شوقى صلاح، يقول فيها: «اسمح لى بأن أشبّه علاقة القانون والسياسة بالعلاقة الزوجية.. فإذا صلحت وانسجم القانون مع السياسة فى شخص مسئول ما يستطيع تسييس المقومات القانونية على أرض الواقع، فسنجد وقتها قائداً متميزاً يذكره التاريخ».
وفى رسالة عبر الواتس آب أيضاً، يعلق الصديق العزيز المستشار حاتم داود، نائب رئيس مجلس الدولة، على المقال ذاته قائلاً: «بالطبع أشارككم الرأى فى ارتباط السياسة بالقانون ارتباطاً وثيقاً، فهما فى حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة، فلا تصلح السياسة دون قانون يضع لها أطرها ويحدد طريقة وأسلوب العمل بها ويحد من رغبات رجالها وطموحاتهم غير المحدودة، وفى ذات الوقت فإن القانون هو الأداة التى يستخدمها رجال السياسة لإدارة المجتمع وتحقيق مصالحه وتقدمه، فالارتباط بينهما وثيق جداً، وكل منهما يكمل الآخر. لذلك، فإن رجال السياسة الناجحين كانوا دائماً من رجال القانون».
وفى رسالة عبر الواتس آب كذلك، ورد لى تعليق من الصديق العزيز المستشار هانى صبحى، نائب رئيس مجلس الدولة، يقول فيه: «وصف المصلحة بأنها مبدأ السياسة حدا بذهنى لاستدعاء مقولة السياسى المخضرم ونستون تشرشل: فى السياسة ليس هناك عدو دائم، أو صديق دائم هناك مصالح دائمة. ومن قراءات متواضعة فى سياسات العديد من رؤساء الدول على مدار عصور عدة، استظهرت أن مصالح الشعوب تتطلب قائداً وسياسياً يجيد العمل على تلبية احتياجات شعبه ورعاية مصالحه وهو ما قد يدعوه إلى معانقة أعدائه وتغيير اتجاهاته لأكثر من وجهة فى فترات قصيرة، فالأهم دائماً هو النتائج وليس الالتزام بما يقال أو يطرح، فالسياسى والقائد الناجح مسئول دائماً أمام الجمهور عن تحقيق إنجاز ملموس، ولعل أفضل من يجيدون ذلك هم القانونيون. فامتهان القانون ليس مجرد عمل فى قاعة محكمة، وربما لا يمثل ذلك أكثر من 20% من عمل القانونى، والجانب الأكبر من عمله يقضيه فى التحليل والفحص والتخطيط والمشورة لمساعدة عملائه وتنظيم شئونهم وفض منازعاتهم وتسويتها، وقد يتم ذلك دون حاجة للمحاكم، فكثرة القضايا التى يتعامل معها القانونى تثقله بخبرات قانونية وسياسية، تجعل منه شخصية مؤهلة لأن تمثل دولة. فدراسة الحالات وتحليلها والتعامل معها بما يحقق الصالح هو منهج تعليمى لدراسة القانون كان رائده العميد كولومبس، عميد مدرسة القانون فى جامعة هارفارد، وهو أمر يحتاج إليه كل سياسى ناجح، فما بال من يمارسه منذ سنوات الدراسة الجامعية. وفيما يخص التنمية الاقتصادية فى مجتمعنا، نجد أن القانونى، وإن كان قلما ما يمثل قوة اقتصادية كالمخترعين والمستثمرين والأطباء بداية، ثم أصحاب المستشفيات، إلا أنه يؤثر فى تحديد الطريق لأى قوة اقتصادية، فدائماً ما يعتمد على القانونى ليخطط ويعد المستندات والعقود ويبصر بمآل الأمور وما قد يعوقها ويقدم المشورة التى تسهم بنسبة كبيرة جداً فى اتخاذ القرار، ولعل التدفق المستمر للقوانين واللوائح المنفذة أمر ضرورى ولازم للنهوض والتطور وإرضاء الشعوب وتحقيق احتياجاتهم، فهى تعبر عن سياسة القيادة واستجابتها لمشكلات المجتمع. فلنتخيل الحال لو أن القانونى هو من يضع هذه السياسات، فالمتصور بالطبع نجاحها. ونجد الكونجرس الأمريكى مرت عليه فترات زهو ونهوض كان أكثر من 60 بالمائة من أعضائه قانونيين، ونجد كذلك الرئيس نيكسون، الذى كان قائداً يعمل بالسياسة منذ كان طالباً بكلية الحقوق بجامعة ديوك، فكان ينتخب رئيساً لجمعية المحامين الطلابية، فالقانونى قادر على قراءة الواقع وتحليله وتكييفه وتحديد احتياجاته والوصول إلى معالجات سليمة وأحياناً يجرى ذلك بنفسه دون مستشارين، معتمداً على مهاراته الفردية وخبراته ووقته التى هى رأس ماله وأدوات عمله».
هذه كانت رسائل بعض الأصدقاء متضمنة رأيهم عن العلاقة بين القانون والسياسة، وجلّهم من رجال القانون ممن لهم باع طويل فى العمل القانونى والقضائى، وقد أبدى كل منهم رأيه مستعيناً بما تراكم لديه من خبرات مهنية جعلتهم قادرين على الغوص فى أعماق العمل القانونى وسبر أغوار العلاقة بينه وبين السياسة. وأعتقد من الضرورى توجيه الدعوة إلى كل رجالات القانون للتأمل فى حقيقة العلاقة بين القانون والسياسة من وجهة نظره، وفى اعتقادى أن هذا التأمل هو السبيل للارتقاء بمفهومنا عن علم السياسة والوصول إلى فهم أفضل للعلم القانونى، والله من وراء القصد.