فى أرقى علاقاتنا الإنسانية والعاطفية بداية من أيامنا الأولى فى طفولتنا بل ونحن تحت الإعداد والتجهيز داخل أرحام أمهاتنا نسترق السمع لنبضات قلبها الدافئة ونفرح مع ضحكاتها فتزداد حركتنا ونلهو، محاولين المشاركة فى تلك اللحظات السعيدة، نقاسمها الطعام والشراب ونستمتع بالمذاق اللذيذ والروائح النفاذة المنعشة ونلوذ بالصمت وتتوقف حركتنا تماماً إذا بكت أو حزنت أو تألمت ولا نعود إليها مرة أخرى إلا عندما نشعر بقلقها على حياتنا، وبأنها استعدت تماماً لخروجنا إلى هذا العالم الرحب المخيف الغامض الملىء بكل صور الأمان والخوف والحياة والموت والنجاح والفشل والصعود للقمة والسقوط الموجع والضحكات والدموع وأصوات الموسيقى الإلهية والسيمفونيات الشهيرة وأبيات الشعر الساحرة الجاذبة لجميع الحواس، التى تستولى على القلوب والنفوس، والأنين الخافت المختفى وسط بقايا قصص الحب والغدر والصداقات والسفر والبعاد والحنين والأشواق والعودة لأحضان الوطن والحبيبة المنتظرة سنوات وسنوات نبحث جميعاً وسط كل هذا الصخب عن العدل والعدالة، نبحث عن النديم الذى يقولون عنه بكل صدق إنه السمير والأنيس والجليس والخليل، وهو الذى غنت له أم كلثوم كلمات الشاعر (أحمد رامى)، فقالت عنه إنه (نديم شكواه) وهى من أجمل وأرق الصفات، لأنه الشخص القريب للقلب والعين وشريك الأحلام السعيدة والأمنيات واللحظات النادرة الباقية فى الذاكرة إلى الأبد، وصاحب القدرة العالية على الاحتواء والفهم عندما تضيق النفس بما تحمل، فهو الدواء فى تلك اللحظات، وفى معادلة الحياة وهى أصعب معادلة فى علم الرياضيات والطبيعة على الإطلاق، لأن معطياتها كثيرة ومتشعبة وتختلف من شخص لآخر، كما أن عملياتها الحسابية من قسمة وضرب وجمع وطرح وتربيع وتكعيب وجذر تعطى نتائج متباينة وغريبة وغير متوقعة، ومهما حاولنا أن تكون قسمتها بالحق فإن النهاية دائمة تكون صادمة، وإذا حاول البعض استخدام أحدث نظم الحاسوب للحصول على نتائج دقيقة دون أدنى خطأ فإن ما يدخله للجهاز من بيانات وأرقام قد تتبدل أو تتغير أو تختفى تماماً فجأة من الشاشة، حتى ولو عن طريق السهو أو الخطأ شأنها فى ذلك شأن التجارب المعملية التى تتم على أيدى خبراء الكيمياء، ويتعجبون من نهاياتها اللامنطقية، بالرغم من محاولاتهم تطبيق القوانين التى تحمل أسماء مكتشفيها وكبار العلماء العباقرة، والتى تعطى الأجيال المتعاقبة التى تتقنها وتدرسها وتبرع فيها فرصة الانتماء لعالم الطب والعلوم والذرة والفضاء، وسط كل هذه الكلمات والأرقام والأحداث والصور المتتالية التى تترابط وتحكى ما يحدث لنا جميعاً يبقى هو الملاذ والهدف والمنى والرزق الوفير والمنحة الإلهية الكريمة والحظ السعيد، فما أروع أن يكون سميرك ونديمك وجليسك معك لحظة بلحظة، وإذا كان الحكماء والفلاسفة يؤكدون أنه ليس من المقبول أن يحصل أحدنا على كل شىء وقتما يريد ولا يمد يده للآخر، فهذه العبارة هى الاختصار الدقيق لكل ما سبق، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يعدنا بالجنة والنعيم والسعادة وعودة الشباب والجمال وكل ما نحلم به أن أطعناه، فلماذا لا نعد أحباءنا بأى شىء؟ ولماذا لا نمنحهم ما يريدون؟ العطاء قدرة وملكة وحب، ومن أسوأ ما يمكن أن تكتشفه هو أن يكون شريكك ليس لديه هذه القدرات، فوقتها لن يطلق عليه أى اسم أو صفة مما سبق، ووقتها ستكون من أصحاب الحظ القليل. منحكم الله السعادة والسمير والجليس والنديم.