هل نحتاج إلى الكثير من الوقت لمناقشة أهمية إعادة الاعتبار إلى السياسة والسياسيين؟ الإجابة بالقطع لا نحتاج، لأن الواقع واضح تماماً بكل تفاصيله، بالضبط كما أننا لا نحتاج إلى وقت للبحث عن إجابة السؤال حول نجاح الدولة فى الخروج بالوطن من دوامة الانهيار الاقتصادى فى السنوات الأربع الأخيرة.
ظنى أن الوقت قد حان لمنح مثلث الحياة العامة الاهتمام المطلوب، ولأسباب متعددة صارت إعادة هذا المثلث إلى الحياة ضرورة قصوى، لا تحتمل التأخير أو التباطؤ، بعد أن خرجنا من دائرة الخطر، وتجاوزنا الأزمات المتنوعة التى واجهناها.
استكمال سياسات الإصلاح الاقتصادى، والانطلاق فى طريق التنمية، لتحقيق المعدلات المطلوبة فى هذا المجال، تتطلب مشاركة أوسع من قطاعات تراجع دورها فى المرحلة الأخيرة بعد منح جل الاهتمام للجوانب الاقتصادية.
ولا أعتقد أن استمرار مسيرة النجاح يمكن أن تتواصل فى غياب كامل لرقابة فعالة وحقيقية فى المجتمع بكل نواحيه، وهى رقابة تتجاوز دور الأجهزة والهيئات المعنية التى تبذل أقصى ما تستطيع، فنحن فى احتياج حقيقى إلى الرقابة الشعبية.
لذلك، لا أفهم لماذا يتكاسل البرلمان فى بعض الأحيان عن ممارسة دوره الرقابى على الحكومة، كما يمارس بنجاح دوره التشريعى، ولماذا لا يُظهر رؤساء الهيئات البرلمانية الحزبية وجوداً متميزاً ومختلفاً فى هذا الشأن، ويفضلون الانزواء على مقاعدهم.
هل صحيح أن النواب أمهلوا الحكومة هدنة لتخرج بالبلاد من أزمتها؟ وهل صحيح أن أدوات الرقابة غابت تحت ضغط وطأة المرحلة وقسوة تحدياتها؟ لو كان الأمر كذلك فإن مواءمات الهدنة قد تراجعت لصالح العودة إلى مراقبة أداء الحكومة، لحماية الشأن العام من التجاوزات أو من الشطط، ولمحاسبة المقصرين عن تنفيذ الأهداف المطلوبة.
الرقابة الجادة على الأداء الحكومى جزء غائب عن الشأن العام، وإعادته تقتضى تنشيط الحياة الحزبية وإعادة النظر فى الجوانب القانونية المنظمة لنشاط الأحزاب، من أجل تفعيل دوره، وتوفير الوسائل التى تتيح له نشاطاً حقيقياً بين الناس.
لا يمكن تخيل وجود حزبى فاعل دون مصادر تمويلية لنشاطه وأحاديث سبعينات القرن الماضى عن تمويل الأحزاب من اشتراكات أعضائه، أصبحت نكتة قديمة فى حياتنا المعاصرة، ومن غير المتصور أن تلعب الأحزاب دوراً فى تفعيل أدوات وقنوات المشاركة فى الحياة العامة دون امتيازات للأحزاب الفاعلة منها.
دول متقدمة عدة تطبق مبدأ التحفيز كقاعدة عامة، حتى توفر للتجمعات السياسية مناخاً يتيح لها لعب الدور المطلوب منها، مثل امتيازات تمويلية لتوسيع قاعدة مشاركة الشباب والمرأة فى المناصب القيادية، أو فى الترشيحات للانتخابات العامة، أو بنسبة عدد المقاعد فى المؤسسات المنتخبة، وذلك لتوفير أجواء تنافسية، ولتحقيق أهداف توسيع المشاركة العامة من ناحية، واستمرار الأحزاب فى القيام بدورها فى المجتمع.
نوع آخر من التجمعات المؤثرة ينتظر لحظة الانطلاق، بعد أن تم تصويب مساره بإصلاح تشريعى جاد وناجح، إصلاح أعاد العمل الأهلى غير الحكومى، إلى مساره الصحيح، لمشاركة الحكومة فى مجالات التنمية، ولاستعادة جوانب من الرقابة الشعبية، تتيح تعاوناً حقيقياً بين الرسمى والشعبى فى تنفيذ خطط التنمية، والرقابة الفعالة والمؤثرة على العديد من جوانب المجتمع، لحماية حقوق الناس التى تتجاوز المعانى السياسية إلى المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والخدمية.
المجتمع المدنى فى مصر جزء من أدوات الدولة الفعالة، وهو صاحب نشاط قديم ومؤثر، ولعب دوراً مهماً لا يمكن إنكاره، وأسهم بقدر كبير فى تلبية متطلبات، كانت تمثل عبئاً على الدولة، وتمكن من الوصول إلى مناطق ظلت طويلاً بعيدة عن متناول الجهاز الحكومى، وواقع المجتمع المدنى ودوره يؤكد أن مشاركته الفعالة تسهم فى تحقيق أهداف مهمة من جوانب خطة التنمية المجتمعية والاقتصادية والسياسية المطلوبة.
الواقع يقول إن اكتمال مثلث دعم الدولة المصرية يتطلب من الحكومة نظرة مختلفة للنقابات ودورها المطلوب فى مساندة ودعم خطط التنمية، فالنقابات أماكن تجمعات طبيعية للملايين من المصريين، وللنقابات دور مفترض فى توفير الاستقرار لأعضائها، وذلك بحماية حقوقهم والمساهمة مع الدولة عبر أدوات مختلفة فى تحقيق أهدافها.
الشاهد أن تفعيل حالة المثلث الشعبى يتيح بيئة ملائمة للخروج من واقع إلى حياة مختلفة تماماً، وهو يضخ دماء جديدة للدولة، ويعيد الحيوية المنشودة، ويقدم زخماً مطلوباً لمواجهة تحديات تفرض نفسها على هذا البلد.