- ما يحدث حالياً فى وزارة الزراعة يجسِّد ورشة عمل موتورة، ينهمك أعضاؤها فى صنع شهادة نقمة جديدة، تنضم إلى شهادات الفشل طوال عامين، خربت فيها خزائن الدولة من خيرات الزراعة والمزارعين، بسبب الجهل الإدارى والخواء العلمى والتنطع الوظيفى، والتسارع نحو جمع غنائم الصناديق الخاصة.
- إقالات وتنكيل بقيادات فنية وإدارية فى الوزارة وهيئاتها تجسِّد حالة من حالات التخبط فى «سكرات زوال المنصب»، أو فى اللحظات الأخيرة على خط تنصيب الوزير الحالى، كما يُشاع من تغيير وزارى يشمل عدداً من الحقائب، تتصدرها «الزراعة» بجدارة الفاشلين، لتبدأ ورش تفصيل خطة هدم المعبد على رؤوس العابدين.
- الثابت أنه حينما يقترب الإنسان من نقطة النهاية على أى منحنى، سواء خط العمر، أو الوظيفة، أو المنصب، يرزقه الله بأحد أمرين: مكافأة النعمة، أو شهادة النقمة، والأخيرة ظهرت جلية فى الأيام القليلة الماضية، التى تشهد امتحان نهاية العام لوزير الزراعة الحالى.
- لم يكتفِ الوزير الحالى بفشله فى إنجاز ملموس يُسجَّل له فى ذاكرة الأمة، ويؤهل صورته بجدارة لحجز مكانة فى لوحة شرف الوزراء السابقين، لكنه انهمك وحواريوه فى تعبيد طريق الخروج من قصر الوزارة إلى «زراعة جامعة القاهرة»، بعد أن أحرقوا مراكب العودة وزرعوا الطريق بأشواك دامية.
- لم ينشغل الرجل منذ الشهر الثانى فى ولايته، إلا بإصدار قرار وزارى بقصر لقب «الأستاذ الدكتور» على «أستاذ الجامعة» فقط، وحرمان «أستاذ البحوث» منه، على الرغم من أن الأخير لم يحصل على الماجستير أو الدكتوراه إلا من جامعة مصرية أم أجنبية، ويزيد على الأول أنه لم يمتهن فى مسيرته غير البحث العلمى، فلا مذكرات جامعية، ولا دروس خصوصية.
- وخلال العامين اللذين كانا وبالاً على الزراعة المصرية وأربابها ومساكينها، لم ينعم الله بكرمه على الوزير الحالى بصحبة الخير، بل ران على قلبه ما كسبه طوال مسيرة جامعية امتدت نحو 46 عاماً، فاختار معاونين كانوا بمثابة معاول هدم وتخريب فى الدولاب الفنى والإدارى للوزارة المعنية بالأمن الغذائى لشعب مصر.
- لم ينشغل الوزير ساعة واحدة فى جمع الباحثين العلماء فى مركز البحوث الزراعية، كى يغربل معهم مخزن الأصناف النباتية المصرية، ليخرج بتوصيات تتعلق بتربية أصناف خضرية أو فاكهية تغنينا عن دفع حقوق الملكية الفكرية على تصدير كل صندوق موالح أو عنب، أو حتى حزمة ملوخية كانت مصرية، قبل تسجيلها «يونانية من أصل مصرى».
- لم يجرؤ الوزير بموجب صلاحياته الدستورية على خوض معركة نبيلة لإعادة الاختصاصات المغتصَبة من وزارة الزراعة، ممثلة فى «الحجر الزراعى»، لصالح وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، ممثلة فى «الرقابة على الصادرات والواردات»، ليهبط تصنيف أعلى الوزارات قيمة على المؤشر القيمى للوزارات.
- لم يكلف الوزير نفسه عناء تفكيك القرارات المجمدة، ومنها: تجميد نشاط وصلاحيات لجنة المتابعة والرقابة وتقييم الأداء التى شكَّلها الدكتور البلتاجى فى 2014، وأنيط بها، الرقابة على كل حلقات الإنتاج الزراعى، خاصة: المبيدات، والأسمدة، والتقاوى، والمخصبات، ومراقبة أداء المديريات الزراعية.
- ترك الوزير الحالى جدول توزيع مقننات الأسمدة لجميع مناطق الزراعة فى مصر كما هى منذ ما قبل 50 عاماً، مع اختلاف طبيعة التربة، ومصادر الرى، والمناخ، لتصبح حصة الكتكوت من الغذاء، كوجبة الديك الرومى الناضج، ومقننات التربة الرملية كمثيلتها للتربة الطينية، ونصيب الأرض الصالحة كنصيب المالحة، ليستمر الهدر وتوصيف العلاج الخطأ لمريض أقعده الداء.
- لم يهتز للوزير الحالى رمش ليفتح قوانين الزراعة المعطلة، ومنها ما صدر خصيصاً للفلاح، مثل قانون التأمين الصحى الذى أسدلت عليه ستائر الإهمال.
- لم يشغل الوزير نفسه بالنبش فى ملف التسويق التعاونى، ولا إحياء مركز الزراعات التعاقدية إحياء حقيقياً، ولم يُحمّل نفسه عناء العودة قليلاً لفتح ملفات مؤتمر دعم الاقتصاد الوطنى فى شرم الشيخ (13-15 مارس 2015)، علَّه يعيد إلى الحياة الاقتصادية عدة أفكار لمشروعات تعيد الروح إلى قطاع الزراعة، مثل: مشروع قومى للصوامع المعدنية فى مواقع إنتاج القمح، أو مدن للتصنيع الزراعى فى مواقع الزراعات الصحراوية، فتسقط عن هذا القطاع المظلوم تهمة «طفيل»، بعد أن كان عائلاً أساسياً لمعظم قطاعات الدولة.
- ومع تصاعد حدة المطالبات بالرقابة على المبيدات، للحفاظ على صحة المستهلك المصرى، ورفع قيمة الصادرات المصرية ومكانتها، لم يهتدِ الوزير الحالى إلى ملف قرار إنشاء الإدارة المركزية للرقابة على المبيدات والأسمدة والمخصبات، والذى أصدره عام 2007 وزير لم تكن له علاقة بالزراعة، غير الملكية الزراعية، وتجارة القطن.
- ومع انشغال الوزير الحالى بجمع تذاكر السفر وبدلاته، لحضور المناسبات الدولية، خاصة إلى إيطاليا وإسبانيا، ترك الساحة لحوارييه فنكلوا بالقيادات الفنية الخبيرة، ليقصوا الناجحين، ويبدلوا بهم المقربين، فيتعلمون «الحلاقة» فى رؤوس الفلاحين.
- ووفقاً لما أذيع من أخبار التغيير الوزارى المرتقب، لم يجد الوزير الحالى فى أيامه الأخيرة المعدودة غير تجميد علامات الفشل فى رُزَم، وإلقائها فى سلال الآخرين، وكطفل أحرق بيت العائلة بعود ثقاب، بدأ يكيل الاتهامات كذباً لأخته الصغرى ساعة الحساب، وهو ما نشهده حالياً من أخبار وبيانات تُعدِّد أسباب الدمار التى لحقت بالثروة الحيوانية والداجنة، كأنه كان يحكم من المريخ، ونائبته تحكم من زُحل، فيصيب الأرض ما أصابها من عطب.
- وكأى مودِّع لمرحلة من مراحل الحياة، لم يتسلح الوزير الحالى بآيات العرفان لدولة منحته لقب «وزير»، وستكرِّمه بمعاش «الوزير السابق»، لكنه مد يده للحواريين الذين يرقصون حالياً رقصة الوداع، فأسلموه سكاكين الإطاحة والتبديل والتنكيل بالأوفياء الأقوياء، ليضع فى لوحة الشرف شهادة سوء الختام، وليعيد إلى الأذهان سيرة المثل الشعبى: «يا رايح كتَّر الدبايح».