فى أواخر عام ١٩٤٥.. وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بسقوط الرايخ الثالث وانتصار الحلفاء.. ظهر للنور فى فرنسا من يطالب «بدمقرطة» تولى المناصب الإدارية والقيادية فى الوطن الجديد.. فكان هناك «ميشيل دوبريه».. السياسى الشاب والمحامى المحنك الذى تولى بعد ذلك رئاسة وزراء فرنسا.. والذى كان السبب المباشر لإنشاء أول وأعرق مدارس الإدارة فى العالم.. وهى المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة..!
لقد كانت المدرسة النواة التى قدمت بعد ذلك نموذجاً يحتذى به فى كل دول العالم.. فكانت هى الحاضنة التى أفرزت العديد من القيادات فى الدولة الفرنسية.. لم يكن جاك شيراك، الرئيس الأسبق، أولهم.. ولا إيمانويل ماكرون آخرهم!
لقد التقطت الدولة المصرية طرف الخيط منذ عدة أعوام.. وبدأت الطريق الصعب بتأهيل مجموعة من الشباب بشكل احترافى.. فكان البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة هو أول الغيث الذى ظهر للنور.. والذى كان النواة الأولى والأب الشرعى -بعد دفعات ثلاث- للأكاديمية الوطنية للتدريب.. المعادل المصرى لتلك المدرسة الفرنسية العريقة..!
لقد كانت الرؤية الأهم لنظام «السيسى» هى الاستعانة بأكبر ثروة على أرض هذا الوطن.. ثروته البشرية.. وقطاعها الشبابى على وجه التحديد.. فكان الهدف الأساسى هو تأهيلهم، تمهيداً لدمجهم فى دولاب الدولة على أسس علمية سليمة!
الأمر قد بدأ بالبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة.. الذى -والحق يقال- يحمل بين جنباته «مجتمعاً» بمعنى الكلمة كما يحب شباب البرنامج أن يطلقوا على أنفسهم!
لقد أدرك النظام -بحياد يحسد عليه- أن أكبر مشكلة تواجه الجهاز الإدارى لأى دولة فى العالم هى وجود آلية محترفة لتدريب وتخريج كوادر تصلح لتولى المناصب الإدارية على اختلاف مستوياتها.. فغياب تلك الوسيلة هو المدخل الرئيسى لأى وساطة أو محسوبية.. والسبب الرئيسى لخلل معايير الانتقاء.. وتفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة والكفاءة.
أستطيع القول إننى شاهد على هذه التجربة منذ أن كانت فى مهدها.. أعرف جيداً كيف تم اختيار دفعات البرنامج دون تمييز.. بل أعرف الكثيرين منهم بشكل شخصى.. ولهذا أستطيع أن أقول بكل ثقة -ودون تحيز من أى نوع- إنهم من أفضل شباب هذا الوطن.. وأكثرهم إخلاصاً.. وليس هذا فحسب.. فكل من اقترب من هؤلاء الشباب سيدرك جيداً كيف نجح البرنامج فى التأثير على نموهم العقلى والذهنى.. وسيدرك كيف تحولوا إلى شخصيات متكاملة مسئولة تعى جيداً مفاهيم الأمن القومى.. وتحمل من مقومات القيادة العلم والإيمان والثقة بالنفس وبالوطن..!
لقد بدأت التجربة تؤتى ثمارها.. وظهر منهم من حلف اليمين أمام الرئيس فى حركة المحافظين السابقة كنواب للمحافظين.. ومثلهم فى هذه الحركة كنواب أيضاً.. بل ومنهم من تم تعيينه محافظاً.. فى نمو واضح لهم.. وتكاثر فعال لوجودهم فى السلطة التنفيذية للدولة..!
لقد بدأ هؤلاء الشباب فى اتخاذ أماكنهم.. نازعين من عقولهم روتين الماضى وأدبيات الدولة العجوز المنهكة.. وبدأوا طريقاً جديداً لتمكين الشباب واستغلال الكفاءات الحقيقية..!
أكثر من عشرة نواب لمحافظين تولوا مهمتهم فى ربوع هذا الوطن.. كلهم طاقة ويقين وإخلاص للعمل والجهد.. يحملون على ظهورهم دستوراً من الشرف والإنسانية..
فشكراً لمن جعلنا نصل إلى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ الوطن.. وشكراً لشباب البرنامج الذين آمنوا بحلمهم ووطنهم.. والذين أتمنى أن ينجحوا فى الاختبار العسير الذى وضعوا فيه.. فهو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف من تلك المنظومة الوليدة..!