من "فقراء لا يدخلون الجنة" إلى "سوق المتعة": المعالجة السينمائية لـ"الوسواس" بين الهزل والجهل
مشهد من فيلم «فقراء لا يدخلون الجنة»
الفن، مرآة المجتمع، يجسّد معاناة البشر وينقل أوجاعهم وآلامهم على شاشتى السينما والتليفزيون، ويعد المرض النفسى بكافة أشكاله واضطراباته، سواء ما يتعلق بالوسواس القهرى أو الاكتئاب، مادة خصبة للتناول أمام صُناع الأفلام، وظهورها فى أعمال فنية كثيرة، بين الكوميدى والتراجيدى.
وقال نقاد فنيون، فى تصريحات لـ«الوطن»، إن السينما المصرية لديها «شغف» لتناول الاضطرابات النفسية، ولكن غلب عليها الطابع الكوميدى والهزلى فى كثير من الأحيان، بعكس السينما العالمية التى قدمت طرحاً علمياً جاداً لمعاناة المرضى النفسيين.
ففى فيلم «بستان الدم»، كانت البطلة التى جسّدت دورها الفنانة يسرا، تعانى من اغتصابها أمام عينى والدها الذى قُتل على يد بعض الفاسدين، ومكثت بالمستشفى تعانى من الاكتئاب والوسواس والهواجس، التى ظلت تصاحبها لفترة طويلة.
وفى فيلم «آسف على الإزعاج»، كان البطل أحمد حلمى يعانى من بعض الاضطرابات النفسية جراء موت والده، وبعد صراع طويل مع المرض النفسى، نجح فى التحرر من آلامه بعد فترة علاج طويلة داخل مصحة نفسية.
وفى الدراما جسّدت الفنانة ليلى علوى دور امرأة تعانى من الوسواس القهرى، فى مسلسل «شمس»، وكانت تقوم بالتأكد مما تفعله فى حياتها أكثر من مرة، مثل «غلق أبواب السيارة، والإضاءة».
وجسدّت السينما العالمية مرض الاكتئاب والوسواس القهرى فى أكثر من عمل، منها «As Good as It Gets»، بطولة جاك نيكلسون، الذى يلعب دور كاتب يعانى من اضطراب الوسواس القهرى، والخوف من أمور كثيرة، على رأسها الخوف من التلوث، وحاول الفيلم تجسيد «الوسواس القهرى» ومدى تأثيره على حياة الشخص المصاب به، وانعزاله عن المجتمع فى بعض الأحيان، وتناول الفيلم كيفية التعامل مع هذا النوع من المرض، وكيفية تقبله للاندماج فى المجتمع كشخص طبيعى، وفى فيلم «A Streetcar Named Desire»، الذى أُنتج عام 1951 بطولة مارلون براندو، وتُلقى الأحداث الضوء على الدور الذى تقوم به الممثلة فيفيان لى، ومعاناتها مع الاضطراب النفسى والوسواس القهرى، وأظهر فيلم «Silver Linings Playbook»، معاناة البطل الذى جسّد دوره النجم برادلى كوبر، الذى قضى فترة داخل مستشفى الأمراض النفسية، لمعاناته من الاضطراب والوسواس القهرى، والذى يتغلب على هذا المرض بمساعدة الحب.
"قاسم": السينما دائماً "شغوفة" بتناول الاضطرابات النفسية
وقال الناقد الفنى محمود قاسم، إنّ الدراما تناولت أنواع المرض النفسى، منها الاضطراب والوسواس القهرى والاكتئاب، وقامت بتقديمها وعرضها، ومن هذه الأعمال فيلم «فقراء لا يدخلون الجنة» بطولة محمود عبدالعزيز، الذى كان يعانى من الاكتئاب والوساوس القهرية، وفيلم «امرأة من زجاج» للفنان محمود ياسين، وسهير رمزى، وأوضح «قاسم» أن السينما المصرية بوجه عام «شغوفة» بطرح موضوعات تتعلق بالاضطرابات النفسية، ومعاناة أصحابها، والظروف التى تحيط بهم، ونقل وقائع لم يعشها إلا الآخرون، وفى السابق كان يتم التعامل معها فى إطار كوميدى، وبعد ذلك تم الاتجاه إلى تقديم مادة جادة وطرح أنواع المرض النفسى بشكل علمى، مثل فيلم «أيام الغضب» بطولة نور الشريف ونجاح الموجى، وفيلم «سوق المتعة» وإصابة البطل محمود عبدالعزيز بأمراض نفسية منها الوسواس القهرى.
"البشلاوى": تناولناه بشكل ساخر و"العالمية" عالجته بجدية
وأضافت الناقدة الفنية خيرية البشلاوى، أنه لا يوجد اهتمام جِدى بالتدقيق والبحث العلمى الحقيقى عند تقديم ما يتعلق بالمرض النفسى فى السينما، وكثيراً ما كان يتم إظهار شخصية المريض النفسى بأى نوع باعتبارها «كاريكاتيرية»، أو مستغلة كما حدث مع شخصية نبيلة عبيد فى فيلم «توت توت»، وشخصية فاروق الفيشاوى فى «ديك البرابر»، وهى تعد أعمالاً هزلية فى سياق تناول المرض النفسى بشكل حقيقى، وقالت «البشلاوى» إن الاضطرابات النفسية ومنها الوسواس القهرى وغيره، قد يكون منتشراً وله أسباب كثيرة ومختلفة، ومن ثم المعالجة السينمائية الجادة تكاد تكون غائبة عن صناع الأفلام المصرية «لا توجد معالجات فنية يمكن اعتبارها دراسة حالة، بينما هناك أفلام أمريكية تكون بمثابة دراسة حالة للمرض النفسى بشكل حقيقى، ولكن لدينا استسهال واستخفاف تجاه المرض النفسى بأنواعه، مثل فيلم إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين، هناك هزل فى التناول بعيداً عن وجود دراسة حقيقية، كذلك فيلم الفيل الأزرق لم يقدم دراسة حقيقية عن المرض النفسى وشرح الحالة وأعراضها»، وتابعت «شخصية المريض النفسى تناولها فى الفن والدراما، إما للسخرية منها، وجعل الأمر كوميدياً، أو استغلالها بشكل سيئ، ولم يكن هناك طرح للمشاكل المتعلقة بالمرض النفسى بالمعنى الحقيقى، أو تقديم معالجة لها، الفيلم لدينا للتسلية والترفيه، وليس منتجاً ثقافياً أو اجتماعياً جاداً»، وأكدت أن وجه المقارنة بين ما قدمته السينما المصرية عن «المريض النفسى واضطراباته» أسوة بالسينما العالمية يكاد لا يذكر، وهناك أفلام أجنبية تناولت هذا الأمر بشكل جيد جداً منذ الخمسينات، وكتب عالمية صدرت عن «المرض النفسى والسينما»، ولكن «نحن لسنا جادين ولكن نتعامل بشكل هزلى للترفيه والمكسب».