منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى يومنا هذا ونحن نعانى من حالة انكفاء شديد على شئوننا الداخلية.
لم يمر يوم أو أسبوع دونما أن يعايش المجتمع والنخبة وصانع القرار حالة من الاستغراق الشديد فى أزمة داخلية، بدءاً من أزمة أمنية، أو فتنة طائفية، أو صراع سياسى فرض نفسه بشكل دموى فى شوارع مدننا الكبرى. هذا الانكفاء المفهومة أسبابه الضاغطة أدى إلى حالة من الانعزال الكامل عن متغيرات بالغة الأهمية فى المحيط العربى وفى دول الأطراف المحيطة مثل تركيا وإيران وإسرائيل.
ومن مخاطر هذا الانكفاء على الملفات المحلية أننا فقدنا القدرة على فهم علاقة الارتباط الحيوية بين ما يحدث فى تونس وليبيا وسوريا واليمن وتأثيرها على المعادلات الإقليمية. ذلك كله أدى إلى تحجيم الدور المصرى إقليمياً إلى حد أن أكثر من 40 دولة اجتمعت فى باريس منذ 6 أسابيع تحت شعار اجتماع أصدقاء سوريا فى باريس دون إحساسنا بالحاجة إلى وجود تمثيل مصرى فى هذا الاجتماع.
سوريا بالنسبة لمصر ليست دولة عربية أخرى، لكنها تاريخياً هى مفتاح الأمن القومى المصرى الذى يبدأ من جبال طوروس التى قيل إن من يمتلكها يمتلك التأثير على مضايق سيناء، ومن يمتلك المضايق يمتلك التأثير على قرار قاهرة المعز.
سوريا هى بوابة الجهة الشرقية، وأحد أطراف الوحدة العربية مع مصر فى الستينات، وشريكة مصر فى حرب أكتوبر العظيمة. والحاكم الجديد الذى يُنتظر أن يدير شئون سوريا سوف يكون له تأثيره المباشر على المنطقة وعلى سياسات مصر العربية والإقليمية.
وطبيعة النظام المقبل فى دمشق سوف تؤثر على تحالفات النظام السياسى المصرى الذى يقوده -ولأول مرة- نظام إسلام سياسى، لذلك لا بد من المراقبة والتفاعل الشديد مع عملية الانتقال الحالية التى تشهدها الساحة السورية.
إننى أسأل: هل يوجد تقدير موقف داخل أى جهة مصرية رسمية؟ ما التصور فى حالة وصول نظام سلفى تكفيرى إلى سدة الحكم فى سوريا؟ أو ما الموقف لو كان الحكم ليبرالياً ائتلافياً؟ ماذا يحدث لو دخلت القوات التركية وأقامت حزاماً أمنياً؟
إننى أسأل: كيف ستتعامل مصر مع مشروع يجرى الإعداد له الآن لإقامة دولة علوية تشمل التخوم السكانية فى منطقة الساحل السورى التى تشمل أكبر تجمعات علوية تصل إلى حوالى 11٪ من تعداد السكان؟
إن أهم عنصر من عناصر إدارة الأزمات هو الاستعداد الكامل لها وعدم سلوك «المتفاجئ المضطرب» من هول الأزمة.
وإذا كنا نتحدث عن ضرورة استعادة مصر لدورها الإقليمى، فإن أول شروط هذا الدور المطلوب هو حسن قراءة المشهد الحالى بشكل دقيق وموضوعى، والبحث فيه عن بدائل عملية قادرة على تعظيم المصلحة الوطنية المصرية، والانتقال من حالة المشاهد السلبى إلى اللاعب المؤثر.