أصابع إيران تبدو ظاهرة فى المذبحة المروعة التى شهدتها ساحة «الخلانى» بوسط بغداد وراح ضحيتها ما يقرب من 20 قتيلاً وأكثر من 100 جريح. وإذا كان البعض يرى أن اتهام إيران بمذبحة «الخلانى» تعوزه الأدلة، فإن شواهد عديدة على الأرض تدمغها بالمسئولية. فقد أصبح مفهوماً للشارع العراقى أن عناصر شيعية تابعة لإيران على مستوى الهوية أو الهوى هى المسئولة عن المقتلة (راح ضحيتها أكثر من 400 قتيل) التى شهدها العراق منذ بدء التظاهرات الشعبية المنددة بالأوضاع المعيشية وعمليات السلب والنهب الممنهج التى يتعرض لها هذا القُطر منذ الغزو الأمريكى له. ومؤكد أن الإيرانى الذى لم يتورع عن قتل المتظاهرين فى شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية خلال الأيام الماضية لا يتورع عن قتل العراقى.
انتفاضة الشارع الإيرانى خمدت بسبب آلة القمع التى وظفتها السلطات هناك ضد المتظاهرين فحاصرتهم بالقتل والاعتقال، ويبدو أن نظام الملالى رأى فى الآلة القمعية وسيلة جيدة للتخلص من صداع المظاهرات الشعبية المنددة بالأوضاع الاقتصادية والمنادية بالتغيير. لقد فعلها من قبل فى سوريا، وهو الآن يفعلها فى العراق، فى حين يراقب العرب المشهد بأذنين، إحداهما من طين والأخرى من عجين. اللافت أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الأخرى تتعامل مع ما يحدث فى العراق وكأنها من قارة أخرى. فرغم ما تبديه من عداوة لإيران، فإنها لا تعلق على تحركات الميليشيات الإيرانية والتابعة لإيران فى العراق. وليس من المستبعد أن يكون النموذج السورى هائماً فى مخيلة «الخل الأمريكانى» للعرب هو الآخر، حين رضى بتدخل كل من إيران وحزب الله لحماية النظام السورى، ثم تحرك هو الآخر على الأرض وأخذ يجهز ميليشيات وجماعات تابعة له تعمل على خراب الدولة السورية، وكما ساندت إيران نظام بشار، دعمت بعض الدول العربية الميليشيات المحاربة له وأمدتها بالمال والسلاح، برضاء أمريكى كامل.
الطريف فى الأمر أن موقف الأمريكان، وكذلك الأوروبيون، من المظاهرات الشعبية التى يشهدها الشارع اللبنانى مختلف تماماً عن الموقف من أحداث العراق. ففى وقت مبكر -نهاية أكتوبر الماضى- حذر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، من أى اعتداء على المتظاهرين، ودعا الجيش اللبنانى إلى حمايتهم من تحرشات حزب الله. وللعلم تشير بعض التقارير الإعلامية إلى ضلوع حزب الله فى مذبحة «الخلانى»، وهو أمر محتمل. أوروبا أيضاً دعت إلى حماية المتظاهرين اللبنانيين وعندما حاول «حزب الله» النزول فى مسيرات والاحتكاك بالمحتجين فى الشوارع صدرت تحذيرات من عواصم أوروبية عدة أدت إلى تراجع حسن نصر الله، الذى وجَّه عدة تهديدات -تلميحاً وتصريحاً- للمتظاهرين بالعودة إلى البيوت وإخلاء الساحات وعدم قطع الطرق.
المصلحة الأمريكية هى المحرك الأول والمحدد الرئيسى لتوجهات صانع القرار بواشنطن. ويبدو أن ثمة مصلحة لأمريكا فى ترك الأوضاع فى العراق على ما هى عليه، حتى ولو تطورت إلى حريق كبير. ويظهر أنها تريد لهذا الجزء من العالم أن يشتعل، أما الوضع فى لبنان -القريبة من إسرائيل- فمختلف.. الله يكون فى عون العراق وأهله.