أمس الثلاثاء 10/12/2019 نتذكر المرحوم «حسام تمام» فى ذكرى مولده، وكان قد توفى فى أكتوبر 2011، وإنه إن فاتنا الحديث عنه فى ذكرى وفاته فلا يفوتنا فى مولده، وقد ذكّرنا به الأستاذ «محمد شاكر»، إذ كان الفقيد من أفضل الخبراء والصحفيين العرب فى مجال الحركات الإسلامية، وهو الذى وضع يده على مواطن الخلل والانحراف عند التيارات الإسلامية، ولكنها لم تعرها اهتماماً فخسرت خسراناً مبيناً، ونجح الفقيد أن يكون رأساً فى مجال تخصصه، وكما أن باحث الأدب -مثلاً- لا يسعه أن يتجاوز المتنبى وشوقى، فإن باحث الحركات الإسلامية لا يمكنه أن يتجاوز الفقيد -برَّد الله مضجَعه، وأسكنه فراديس الجنان- فقد حلل العقل الحركى للتيارات الإسلامية، خاصة الإخوان، وتنبأ بما يحدث للجماعة، بمعنى أنه تجاوز دراسة الحركات إلى استشراف فلسفة مستقبلها.
اقرأ له مثلاً: (تسلف الإخوان.. تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية)، دراسة صدرت قبل وصول الإخوان للحكم، توقع فيها تآكل المنظومة الإخوانية لحساب السلفية، وقد حدث، وصار السلفى «محمد عبدالمقصود» مرجعية للإخوان، ولو أطال الله فى عمره لكتب «تآكل المنظومة الإخوانية لحساب الجماعات المسلحة»، وقد قال بالفعل فى أحد كتبه «إن جزءاً من تيار المدرسة الإخوانية أسس للعنف والتكفير»، كما رصد تراجع التصوف عند جماعة الإخوان على حساب التوغل السياسى، وتجلى عقله النقدى فى كتابه: (تحولات الإخوان المسلمين.. تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم)، وكتاب: (الإخوان المسلمون سنوات ما قبل الثورة)، حيث جمع فيهما أبحاثاً ودراسات غاية فى العمق والدقة والتأصيل، ومن ذلك: «الإخوان وأمريكا.. تساؤلات حول مواقف ملغزة»، و«قراءة فى مسيرة رأس مال الإخوان» و«الإخوان وغواية التنظيم»، و«الإخوان والصوفية ماضٍ غير مستعاد»، و«إلى أين يسير قطار التجديد الإخوانى حين يغادر محطة التنظيم»، و«تزييف الإخوان»، و«الإخوان الديمقراطيون.. الأفكار وخريطة الانتشار»، و«لماذا لا يكتب الإخوان تاريخهم؟»، وغير ذلك كثير، كما لخص الحركة الإسلامية فى تأسيسها الثانى من خلال تحريره لشهادة «عبدالمنعم أبوالفتوح».
ولقد تميز الراحل الكريم بثلاثة أمور:
الأول: أنه لم يقتصر فى تناول الحركة الإسلامية على مجرد الشواهد النصية، بل تناولها من خلال المحيط الخارجى والممارسة العملية أيضاً.
الثانى: أنه لم يقع أسيراً لأيديولوجيا معينة، وانطلق من أرضية مصرية وطنية، وخلت كتاباته من الملاحظات الانطباعية، والأحكام المتعجلة.
الثالث: أنه لم يقع أسيراً لتوجهات نظام سياسى معين، لكنه انطلق فى نقده للتيارات الإسلامية من ضميره الحى، وأدواته البحثية، وأدلته الدامغة، لا يهمه موقف هذه الأنطمة من هذه التيارات، فلم يكن قلمه فى خدمة نظام سياسى أو تيار دينى، بل كان فى خدمة وطنه مصر والبحث العلمى المستقل، وتقبل المنصفون كتاباته بقبول حسن، وهاجمته جماعة الإخوان.
أثرى الفقيدُ القارئ بكتابات غاية فى العمق والدقة، نُشرت فى العديد من الصحف العربية والأجنبية، لكن أحبابه قصرّوا فى خدمة تراثه، ونتمنى أن تنشط أسرته الكريمة لإخراج مكتبته للنور، لتكون من العلم الذى يُنتفع به، وأخيراً فإن «حسام»، الباحث المجيد، كان صدى لـ«حسام» الإنسان، فإنسانياً كان الفقيد كريماً أريحياً ذا بشاشة، طيبَ العشرة، عفَّ اللسان، متواضعاً جداً، وفى المجمل كان الفقيد «نسيجاً وحده».حسين القاضى