هل يمكننا -فى عالم تتسارع فيه الأحداث ولا يمنحنا سوى محاولات ضئيلة للفهم- أن نربط بين ما هو عبثى وما هو واقع بالفعل؟ هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين عالم الافتراضات الخفية الغامضة، وعالم التصريحات المعلنة على الملأ؟
من هنا دعونى أشاطركم بعضاً مما أسعى لفهمه أو إيجاد علاقة فيما بينه، فقد استوقفنى ما طرحته مواقع الأخبار عما يسمى بـ«جمعية المنتحرين» بعد نشر تصريحات نُسبت لوالدة الشاب نادر المنتحر بإلقاء نفسه من أعلى برج القاهرة مؤخراً، وكيف أن نجلها انساق لتلك المجموعة الغامضة وأن تلك الجمعية حثته على التخلص من حياته، كان من الممكن عدم السير وراء تلك التصريحات غير المؤكدة، وأنها السبب فى إنهاء هذا الشاب لحياته، إلا أن ظهور المقاول محمد على قناة مكملين مع محمد ناصر فى حديث جديد له منذ أيام، لا يُثبت سوى أنه أداة فى يد من يحركونه وأنه لا يزيد على عروس ماريونيت، تحدث فيه عن انتحار نادر وأن غيره كثيرون وأن الحادثة تعبير عن ضيق الشباب بالحياة فى مصر، وأن هذا مقدمات لانتفاضة جديدة فى 25 يناير المقبل، وإلا يكون لا يفهم أى شىء!؟ -وهو بالفعل لا يفهم أى شىء-.
فى ذات الوقت الذى يُعلن فيه يوم الاثنين الماضى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على قناة تى آر تى التركية عن استعداد بلاده لإرسال عسكرييها إلى ليبيا، لو طلبت حكومة الوفاق الوطنى ذلك -بعد توقيعه معها مؤخراً اتفاقاً لدعمها أمنياً ولترسيم الحدود البحرية مع ليبيا- مؤكداً أن تركيا غير مضطرة لطلب إذن من أحد لو أرادت إرسال قوات لها فى ليبيا؟!
ربما لا تجد رابطاً بين المنتحر والمقاول والعثمانى، ولكن ببعض من التأنى تكتشف أن الهدف واحد يتلخص فى حصار بلادك من داخلها بقضايا وحوارات تنشر الإحباط بين أكبر فئة عمرية لدينا وهم الشباب -حيث إن 64.2% من سكان مصر دون سن الأربعين- والانقضاض على أمنك الاستراتيجى الغربى بترسيم حدود بحرية بمنطق البلطجة المحمى بتصريح أمريكى غير معلن لأردوغان للحد من التمدد الروسى فى ليبيا، ووقف الدعم المصرى الفرنسى الإماراتى لجيش خليفة حفتر، نعم هم يسعون لتحويل ليبيا إلى سوريا جديدة يتقاسمون فيها النفوذ بعد تقاسم النفوذ والثروة فى سوريا، ومنح أردوغان أجزاء من الشمال الشرقى فيها يجرى تتريكها باللغة والمناهج والعملة والإحلال السكانى.
منذ أيام انعقدت قمة حلف الناتو فى لندن بحضور دوله الأعضاء الـ 29 بقيادة الولايات المتحدة، ومن بينهم تركيا العضو فى الحلف منذ العام 1951، نعم تحدثت كافة التحليلات السياسية عن الخلافات الداخلية بين دول الحلف حول العديد من القضايا، من بينها الاحتلال التركى لشمال شرق سوريا وإضرار ذلك بمصالح الاتحاد الأوروبى مع الأكراد، وطُرح تساؤل عن موقف الحلف فى حال شنت سوريا هجوماً على القوات التركية لتحرير الشمال السورى؟ كما ناقشت عدم التفهم للقرارات الأمريكية المفاجئة لأعضاء الحلف، والتعليق التركى المؤجل لدعم اتفاق حماية دول البلطيق الأوروبية من التهديد الروسى لها، ولكن أحداً لم يتوقف عند التجاوزات التركية فى البحر المتوسط، التى تزعج اليونان وقبرص ومصر، ولا عند القلق من الدعم الأمنى والعسكرى التركى لحكومة السراج فى الغرب الليبى؟!
ولذا ليتهم وليتنا ندرك أننا شعب مُجيش، نعلم أن بيننا خائناً وجاهلاً وتاجر دنيا ودين، ولكن وقت الأزمة نعلنها... كلنا مصر ولذا فلا يزعجنا من يدعون للإحباط ولا من يحاصروننا به، ونعلم كيف ومتى يكون الرد.