«تصوروا يعملون مستشفى فى غزة باسم مساعدات لأهل غزة، ويمنعون المساعدات عن مستشفيات القدس، لكى يفصلوا غزة عن الضفة، ولكى يكملوا مشروع صفقة القرن حتى النهاية، ويقولون لقضايا إنسانية، لا ليس من أجل ذلك، قالوا إن هذا ليس من الحكومة الأمريكية وهو من منظمات أهلية، نحن ضد المستشفى. قلنا: هؤلاء أليسوا أمريكان، إذاً نحن ضد المستشفى، فجاءوا وقالوا لنا إياكم أن تحرّضوا علينا وإلا سنفعل ونفعل، فقلنا لن نسكت وسنعمل ضده 24 ساعة، ونرفع صوتنا ولن يمر». بهذه الكلمات حسم الرئيس الفلسطينى محمود عباس الجدل، ووثق موقفه بشأن إنشاء المستشفى الأمريكى فى غزة، خلال الكلمة التى ألقاها فى افتتاح أول مؤتمر دولى تنظمه هيئة مكافحة الفساد، لكن الجدل وردود الفعل المتفاوتة ما زالت مشتعلة بين الرفض والتأييد، من يرى أنه تخفيف من أزمة نقص الخدمات الطبية فى غزة، ومن يعتبره مقدّمة لفصلها عن الضفة الغربية، وموقف الرئيس عباس الحاسم من المستشفى لم يُنهِ السجال القائم، ولم يطوِ صفحة الخلاف الحاد الذى نشب بين السلطة وحماس. فقطاع غزة يعيش استقطاباً داخلياً مع بدء إنشاء المستشفى الأمريكى، يرقى إلى الانتهازية السياسية بين الفصائل، وبالذات المقرّبة من حماس كالجهاد الإسلامى والجبهة الديمقراطية! ما زاد من التشكيك حوله من أهداف ومبررات، وترك العنان للاستنتاج بأنه وكر للتجسس على المقاومة وقدرتها التسليحية. رغم أن قطاع غزة يعانى الأمرين من تردى الخدمات الصحية وحاجته الملحة إلى تقديم العلاج للمرضى المصابين بأمراض عضال لا تقوى على علاجها المستشفيات المحلية المتاحة الخاضعة للحصار الإسرائيلى، فضلاً عن وقف التحويلات الطبية إلى رام الله منذ قرر الرئيس عباس معاقبة غزة، وما بين الموقف المعارض الذى يريد إبقاء قطاع غزة محاصراً ومعزولاً، والمؤيد الذى يرى فى المستشفى ضرورة لمنع كارثة إنسانية للتخفيف من وطأة المعاناة التى يواجهها المرضى، فالحصار المفروض على غزة حرم 45% من مرضاها مغادرة القطاع لأسباب أمنية، يظل الجدل دائراً. وأغلب الظن أن الضجّة المثارة حول المستشفى مفتعلة وغير مبرّرة، لأسباب عدّة، فعلى مدى سنوات طويلة نشطت وكالة التنمية الأمريكية USAID التابعة للخارجية الأمريكية بقوة فى الأراضى الفلسطينية، فى ظل حكم السلطة الفلسطينية وحماس، ولم يعترض أحد. والمزاعم بأن المستشفى يمثل قاعدة تجسّس أمريكية لا تستحق الرد، فقطاع غزة والضفة الغربية مسيطر عليها استخبارياً من إسرائيل عبر منظومات أمنية، وأنشطة لا تتوقف، لكن المضحك المبكى أن السلطة الفلسطينية القلقة من تحول المستشفى إلى قاعدة تجسس أمريكية، يتباهى رئيسها محمود عباس بأنه يجتمع دورياً مع ممثلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويجاهر بتقديس التعاون الأمنى مع إسرائيل!. ومع ذلك فإن التعامل مع الأمريكان غير محبّذ فلسطينياً، حتى لو كان بمبادرات فردية، لأن التجارب الكثيرة عبر سنوات طويلة أكدت أن أجهزة الأمن الأمريكية تخترق مختلف المؤسسات الخاصة والعامة التى تعمل فى المنطقة العربية، مثلما اخترقوا بعثة الأمم المتحدة فى العراق عندما كانت تفتش عن أسلحة الدمار الشامل، واخترقوا القوات الدولية فى جنوب لبنان، واخترقوا المراقبين الدوليين فى جنوب الخليل، وهذا سبب يدعو إلى عدم الطمأنينة أو صدق النوايا نحو إنشاء المستشفى الميدانى الأمريكى، الأقرب إلى مستشفيات الطوارئ العسكرية التى تقام أثناء الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية.
أما قطاع غزة فهو بحاجة ملحة إلى مد يد العون على كل المستويات، ليس فقط مستشفى ميدانى ممكن له التوقف فى أى لحظة فيما لو شنت إسرائيل حرباً على القطاع مثلاً، وهو مطلب وطنى قبل أن يكون إنسانياً، والخلافات التى تثيرها حماس والسلطة من حين إلى آخر لأهداف ومآرب سياسية يكون ضحيتها المواطن، ويدفع ثمنها غالياً، آن الأوان لتتوقف، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا بد من التركيز على التئام الجرح، ولم الشمل بسلطة واحدة ورأس واحد، وغير ذلك هو العبث وضياع للوقت والجهد.