فى عرف الشعراء والأدباء الرومانسيين أصحاب قصص وروايات الجمال والعشق والهوى والهجر والحنين والبوح والكتمان والهمس والصراخ والأنين والشدو أن النجوم فى السماء من أرقى وأمتع المشاهد التى تؤنس لياليهم، وتوحى إليهم بالكثير، ومثلهم تماماً القمر، وبرغم ما اكتشفه علماء الفضاء بعد وصولهم لسطحه من أنه مظلم تماماً، فإنه ما زال وبصحبته نجوم الليل ملوك الرومانسية بلا منازع. ومن أمتع وأجمل التشبيهات أن تصف شخصاً ما بأنه نجم فى السماء، وهو التعبير البسيط الواضح عن تميزه وتفرده بكل الصفات الجميلة، وعلو مكانته وجماله أيضاً.
أما إذا أطلقت على أحدهم لقب «نجم حياتى»، فقد وقّعت باسمك وبقلم من مداد لا يمحى وبجميع اللغات والأعراف والتقاليد عقد احتكاره لقلبك، فهو من يمنحك الدفء والضوء والحياة، وهو ذلك الشخص الذى تساءل عنه الفيلسوف «فريدريك نيتشه» فى أحد أقواله الخالدة: «من أى نجوم أتينا لنلتقى أخيراً؟».
وهو نفس الشخص النجم الذى قال عنه أديبنا الراحل أنيس منصور: «لو كنت فى كل مرة أفكر فيك لمست نجماً من نجوم السماء لأصبحت السماء مهرجاناً من النور».
وكما وصف إحساسه به الأديب ياسر حارب: «أيتها النجوم المتلألئة فى السماء وفى عيون النساء والأطفال قد تأفلن واحدة بعد واحدة، لكن نجمة واحدة على الأقل ستظل تشتعل مثل حلم بعيد فى قلبى، ومن أجلها فقط سأقاوم»، وتقول عنه الكاتبة رضوى عاشور: «هذه النجوم فى السماء هى أرواح أحبابنا الذين ذهبوا، نارها عذاب الفراق، ونورها شوق الوصل والتلاقى». وبخلاف اهتمام الشعراء والمحبين بالنجوم فقد استخدمت منذ قديم الزمان فى الممارسات الدينية، كما استخدمها العرب فى معرفة طريقهم فى الصحراء، وقد جمع علماء العرب كتباً شاملة تحتوى على أسماء النجوم، ومن أشهرها «فهرس مسييه» و«فهرس المجرات» و«عناقيد المجرات»، ومن شدة اهتمامهم بها استطاعوا تحديد عمر النجم من خلال مراقبة حركته عبر الفضاء، وعن طريق لمعانه أو الطيف الخاص به.
ومن المعلومات الممتعة عنها أن لكل واحد منها لوناً مميزاً يرتبط بدرجة حرارته، وكلما ارتفعت يتغير اللون، فتبدأ بالأحمر ثم البرتقالى ويعقبه الأصفر ثم الأبيض، وفى النهاية يستقر على اللون الأزرق.
وقبل أن تُشبه قصة حبك أو حبيبك نفسه بالنجم، فلا بد أن تقرأ ما كتبه الفلكى اليونانى Hipparchus بأن النجوم تمر بدورة حياة كالإنسان، تبدأ بالميلاد والشباب والشيخوخة، وتنتهى بانفجارها وفقدانها لهالاتها الغازية وتحولها إلى أجرام بيضاء فى الفضاء، وقد وضع لها تصنيفاً وفقاً لدرجة سطوع النجم ومقدار الإضاءة المنبعثة منه ما زال مستخدماً حتى الآن. وبعيداً عن علماء الفلك ومصطلحاتهم، فما زلنا نردد تلك الأغنية الشهيرة التى كنا نتحدث فيها على صوت الموسيقى، وننادى النجمة التى تتلألأ فى السماء.
أما أنا فما زلت أراها فى أحلامى وأشعر بدفئها، وينعكس ضوؤها على وجهى فيشرق، ويحيطه لون فضى أخاذ، وأتحسس زواياها فى سعادة، وأتذكر أيام الأحلام الخضراء عندما كانت معلمتى تمنحنى إياها مكافأة على إنجاز ما يطلب منا، وتميزى فيه، فتلصقها لى فوق يدى باللون الذى أختاره، ويخامرنى نفس الشعور اللذيذ بالحرص عليها حتى لا أفقدها وتسقط على الأرض وتذوب وسط الزحام، وأحاول دائماً أن أنفذ نصيحة الشاعر محمود درويش، حيث يقول: «اجعل عينيك على النجوم، واجعل قدميك على الأرض»، فأنا من العشاق والباحثين عن عناقيد السماء.