"نص متر" من انفجار الدرب الأحمر.. يوم ما اتكتب لـ حاملة الأكياس عمر جديد
حلاوتهم: ربنا كرمني السنة دي بعمرة وحج حسنوا نفسيتي جدا
حاملة الأكياس- حلاوتهم
هيئتها بسيطة، يغلب عليها سواد يبرزه بلوزة ذات خطوط بيضاء وسوداء، وتنورة طويلة وحجاب معقود، تسير بتأن وتعب، تنظر إلى اللا شيء؛ فقد كانت سيدة الحي الشعبي في طريقها نحو البيت بعد جولة معتادة وربما مُرهِقة بالسوق، تحمل في يديها "أكياسًا بلاستيكية" بداخلها حاجيات أسرتها، لكن ما هي إلا ثوان معدودة قطعت خلالها نصف متر، لتغيب بعدها في ظلمة اللا وعي نتيجة حادث إرهابي غاشم.
"حلاوتهم" أو "سيدة الأكياس" كما عرفتها كاميرات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مجرد مواطنة بسيطة قاطنة بالقرب من حي "الدرب الأحمر"، تحولت بالصدفة لسيدة مشهورة بمصر وخارجها، فانتشرت صورتها عبر الصحف والمواقع العالمية تحت اسم "حاملة الأكياس"، تدخلت عناية الله لتحفظها من تفجير إرهابي شهدته منطقة البحر الأحمر مساء 18 فبراير 2019، والذي راح ضحيته 3 شهداء من أفراد الشرطة، خلال محاولتهم القبض على إرهابي ألقى عبوة ناسفة بجوار مسجد الاستقامة بميدان الجيزة، قبل أن يفجّر نفسه في القوة الأمنية.
تابع الملايين في مصر وحول العالم، لحظة سقوط "حلاوتهم" فجأة فور وقوع الانفجار، تعاطف معها الجميع متسائلين عن نجاتها من عدمه، قبل أنَّ تزف وزارة الصحة بشرى وجود السيدة البالغة من العمر 44 عامًا على قيد الحياة.
لم يغب عن ذهن حلاوتهم زينهم -التي باتت نجمة الصحف والمواقع المحلية والعالمية- أبدًا مشهد الانفجار "لسة فاكرة لما وقعت وصحيت مش عارفه أنا عايشة ولا ميتة، وشايفه الأشلاء حواليا في كل مكان بالحارة"، لتصف ذلك بـ"السنة دي اتكتبلي فيها عُمر جديد".
تتذكر "حلاوتهم" الحادث، خلال حديثها لـ"الوطن" قائلة: "كنا بنسمع عن الإرهاب والحوادث والناس اللي بتروح فيه، بس السمع حاجة وأنك تبقى في الحادثة نفسها حاجة تانية خالص، عمري ما تخيلتها، وكمان أنه يجي مطقة شعبية زي دي كلها ناس طيبية وعلى قدهم".
سيدة الحي الشعبي: مبقتش بعدي من شارع الحادثة خالص.. ومش قادرة أنساها
رُب ضارة نافعة.. هو الوصف الأقرب لما شهدته ابنة المحلة الكبرى، فهي عقب ذلك الحادث حققت واحدًا من أحلام حياتها، وهو زيارة بيت الله الحرام وأداء فريضتي الحج والعمرة "الشيخ أحمد الطيب أهداني عمرة، والدولة منحتني شرف الحج، وده فعلا اللي غير حياتي في السنة دي واتحققلي حلم كبير".
بعد نجاتها واستعادتها لصحتها، لم تأبه "حاملة الأكياس" لكل الضجة التي أثيرت حولها "يعني كنت أتمنى أفضل ست عادية بس متعرضش للي شوفته ده أبدا"، فلم تعد تسير في ذلك الشارع على الإطلاق وتضطر للسير بطريق أطول لأجل الذهاب إلى "الفرن" الموجود به لشراء الخبز.
"كانت تجربة صعبة أوي، بس الحمد لله عدت بمرها وحلوها".. هكذا تنظر حلاوتهم إلى عام 2019، الذي عايشت فيه أسوأ كوابيسها وأجمل أحلامها، بين الحادث الغاشم وأداء الحج، قبل أن تعود إلى حياتها العادية مرة أخرى، وتستكمل مشوار تجهيز ابنتها لزفافها في العام نفسه، وتتناسى به الألم الذي ترك آثاره الضخمة بذاكرتها.
صورة واحدة تحمل تلك المشاعر المختلطة للسيدة المقيمة بـ"حارة الدرديري" منذ 23 عامًا عقب تزوجها في منزل عائلة زوجها، وهي تسير في الدرب الأحمر قبل الانفجار، تظهر خلال إحدى الأغاني الوطنية عبر شاشات التليفزيون، والتي باتت معتادة عليها بسعادة ليقينها أنَّها نجت بفضل إيمانها الكبير بالله عز وجل.
وبصوت مفعم بالأمل، أكّدت "حلاوتهم" التي كانت تعمل "خيّاطة" في أحد مصانع الملابس، استعادتها لحياتها من جديد عقب الحادث، تتمنى أن تتمكّن من الحصول على معاش "تكافل وكرامة" الذي سبق أنَّ أعلن عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، لإعانتها على صعوبات الحياة ومرض زوجها الشديد.