قضى 31 عاما بصندوق.. يوم من حياة خالد في دار الرعاية: واتبدلت الأحوال
الشاب خالد بعد أن إنقاذه من العيش في صندوق حديدي
على رصيف شارع محمد محمود أمام سنترال باب اللوق، أمضى نهاره لأكثر من ثلاثة عقود، وفي صندوق حديدي قضى لياليه، حيث تشتد البرودة، وتزداد الأمطار، فضاق ذرعًا من حال لا يتغير، وأصبح جسده غير قادرا على احتمال طقس الشتاء، ليجد في فريق الإنقاذ السريع التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، منقذًا له بعد أن سمع عن إنجازاته، فقرر خالد مصطفى التواصل معهم عن طريق الخط الساخن، وعلى الفور توجه إليه فريق لضمه إلى دار عقيلة السماع بحلوان لرعاية المتسولين.
"الوطن" عايشت يوما في حياة "الشاب خالد" بدار الرعاية، للوقوف على أحواله التي تبدلت، من صندوق حديد على الرصيف إلى مكان إقامة وتأهيل يمكنه من عيش حياة كريمة.
خالد: قسوة البرودة دفعتني للاستغاثة بفريق الإنقاذ
من صندوق حديدي أكل الصدأ جدرانه، مساحته لا تتعدى المتر المربع، ينام على إحدى جانبيه، منطويا على نفسه، إلى سرير بأحد الغرف، منظم بعناية، مغطى بأغطية بألوان مبهجة للتدفئة، جلس خالد، يقابل زائريه بابتسامته، وبدأ يروي لـ"الوطن"، قصة تركه للعائلة في الفيوم، حتى وصل إلى منطقة سنترال باب اللوق منذ 31 عامًا، حينما انفصل والديه وتزوجا، ورفع كلا منهما يده عن رعايته أو رعاية شقيقته الصغيرة، التي أحرقت نفسها حتى الموت، "جيت هنا وقعدت مع صاحب كشك الجرايد اللي ساعدني وخلاني أشتغل وعملي بطاقة وتموين على عنوان الكشك، كان أحسن من الأب وكنت بدخل حمام السنترال والناس عرفوني ويجيبولي أكل وأقبض يومية 15 جنيه من صاحب الكشك".
تشتد البرودة يومًا بعد يوم، فبدأ معارف الشاب الأربعيني يتحدثون أمامه عن جهود فريق إنقاذ المشردين والمتسولين التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، فقرر الاتصال برقمه الساخن "16439" كي يجد من وما يحميه، وبالفعل استجاب الفريق وجاءوا لإنقاذه في مارس الماضي، لكن الخوف من المجهول تمكن منه، فرفض الذهاب معهم، "رجعت تاني من 3 أسابيع كلمتهم علشان سقعت أوي وجهم ياخدوني وروحت معاهم، مشوار الشتاء أصعب حاجة".
خالد يعوض أيام الحرمان في الدار.. تأهيل اجتماعي وطبي ومحو أمية
في دار عقيلة السماع، يستيقظ خالد ومن هم مثله ليبدأ يومهم بالإفطار، ثم جلسة مع الإخصائي الاجتماعي والنفسي، يتحدث إليه منفردا ويتابع حالته كي يقوم بمقارنة تطورها يوما بعد يوم، ثم يأتي دور الطبيب الذي يقوم بفحص الحالة الصحية والعلامات الحيوية كقياس الضغط والنبض، ومتابعة تناول الدواء للمرضى منهم.
في فصل لمحو الأمية، جلس شاب الصندوق الحديدي، بين أقرانه، يتعلم الحروف فالقراءة والكتابة، بحيث يمكن أن يفيده ذلك في عمله مستقبلا، ونحو الترويح عن النفس، فالدار تتيح لنزلائها أنشطة ترفيهية ورياضية.
وفي غرفة مشاهدة التليفزيون أمضى الشاب الأربعيني بعض الوقت، ونظرا لأنه يميل إلى الانطوائية عملت الدار على تركه يستخدم هاتفه الذكي، الذي كان قد اشتراه عبر تجميعه أجر اليومية والمساعدات التي يتلقاها أثناء وجوده في الشارع قبل مجيئه للدار.
التواجد في الشارع لفترات طويلة، دون تقييد بترتيبات معينة أو التزامات، هو ما اعتاده خالد، ليبدو عليه بعض التوتر من الوجود في مكان يتبع نظام تأهيلي، فبين حين وآخر يردد أنه يشعر بالتقيد "عايز أخرج أنا كنت محبوس في الصندوق وهو نفس اللي بواجهه هنا حبس حرية"، متابعا "عايز أخرج يوم واحد أروح أشوف صحابي بتوع السنترال وآجي".
عضو "التدخل السريع": ندرب خالد للعمل فرد أمن في دار عقيلة
من جهته، محمد فكري، عضو فريق الإنقاذ السريع، قال لـ"الوطن"، إن خالد ضاق من حياة الشارع والدليل أنه من طلب من الفريق التدخل إنقاذه، وفي الدار نقوم بتأهيله وهو يستجيب تدريجيا، ولمس الأخصائي الاجتماعي ميول له كي يعمل في أمن الدار، وهو ما يتدرب عليه ويثبت جدارة، لكن الأمر يحتاج بعض الوقت حتى يتقبل حياته الجديدة، ويصبح ملتزما ببعض الأمور الجديدة على شخصيته، "الدار مش سجن إنما رعاية وما ينفعش يخرج منها غير مع مشرف أو إقرار من الأهل باستلامه، أو يمضي إقرار على نفسه بعد ما يقبقى مؤهل".
في الدار نعمل على استقرار حالته النفسية والصحية، ثم نوفر له عمل داخلي كي يتدرب على الحياة الطبيعية، وبمجرد أن يمكنه الاعتماد على نفسه ويصبح مؤهلا، يتقاضى أجرا نظير دوره الوظيفي في الدار، وحينما يمكنه العمل في الخارج والاندماج في المجتمع، سيخرج ويعمل في أي مكان، وذلك بحسب فكري.