لم تمر ساعات قليلة بعد القرار الذى استصدره «أردوغان» من برلمانه لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا إلا وتلقى صفعة مدوية برفض البرلمان الليبى القرار والاتفاقية بأكملها.. بل وإحالة «السراج»، رئيس حكومة الوفاق الوطنى، للقضاء بتهمة الخيانة العظمى.. فى تطور أرى أنه يغير كثيراً من شكل المواجهة المرتقبة للمشروع العثمانى فى مسرح الشرق الأوسط..!
إشكالية كبيرة وقع فيها الأحمق التركى حين تخيل أن وجوده فى ليبيا سيكون أمراً سهلاً لوجود أحد أذنابه على رأس السلطة فيها.. إشكالية تتمثل فى الرفض الذى وجده من أبناء الشعب الليبى نفسه متمثلاً فى برلمانه المنتخب.. وغضب الشباب الليبى من اللجان الإلكترونية التركية التى تبث ما يفيد سعادة الشعب بالقوات التركية المزمع وصولها.. بل وفى الأنباء المتواترة عن الغضب الذى يعصف بكيان الجيش التركى من الداخل.. والذى يشاع أن قياداته أنفسهم ترفض إرسال قوات خارج الحدود دون سبب يتعلق بالأمن القومى التركى..!
إشكالية يمكنها أن تغير من أبعاد اللعبة كلها إن تمكن أحد الأطراف من إحداث تغيير على الأرض.. أو إظهار الرفض والغضب بشكل عملى فى مواجهة الطاووس التركى.!
الموقف المصرى يعد الأوضح والأكثر صرامة من اللحظة الأولى.. فالمساس بالأمن القومى المصرى، الذى يتمثل فى وجود مرتزقة أتراك على الحدود الغربية، مرفوض بكل الأشكال.. والآلة الدبلوماسية المصرية لن تتوقف عن العمل ضد هذه الإجراءات حتى يصبح الحل الوحيد هو المواجهة العسكرية.. وقتها لن تتردد الدولة المصرية عن الدفاع عن مشروعها الذى تبنته عقب ثورة الثلاثين من يونيو..!
الطريف أنه وعلى الرغم من الرسالة التى أرسلها البرلمان الليبى للعالم كله برفض الاتفاقية.. والتى تطعن فى «الشرعية» التى يتغنى بها «السراج» ويستند إليها كل مجاذيب الإخوان فى مجمل حديثهم المناصر لذلك التحالف المشبوه.. إلا أن كلاً من «السراج» و«أردوغان» يعلم جيداً من البداية أن اتفاقيتهم لن تحظى بموافقة البرلمان.. كما يعلم «أردوغان» أن قواته التى يزمع إرسالها غير مرحب بها من أغلب فئات الشعب الليبى اللهم إلا من ينتمون لنفس الفصيل البائس!
يمتلك الإخوان نصف التنطع والبرود الموجود على ظهر الكرة الأرضية.. ويحاولون دوماً فرض الأمر الواقع وخلق حالة على الأرض يمكنهم التفاوض من خلالها للحصول على مكاسب لكيانهم..!
نفس تفكير وسلوك اليهود حين كانوا يبحثون عن وطن لهم.. فبدلاً من أن يتفاوضوا على بقائهم.. فليتفاوضوا على مستعمرة تم بناؤها خلال زمن التفاوض نفسه!!
الأمر فى النهاية يبقى اختباراً للجميع.. اختباراً حقيقياً للكشف عن «مصرية» المصريين.. اختباراً للحكم على حقيقة الشعور الوطنى لأكثر من مائة مليون مواطن يعيشون على هذه الأرض.. والذين سارعوا لارتداء الزى المموه عبر وسائل التواصل الاجتماعى وإطلاق الهاشتاجات التى تعبر عن دعم الجيش المصرى.. وأهمية الاصطفاف الوطنى خلف القيادة فى وقت الأزمات.. فى صورة مبهجة بشكل غير مسبوق..!
الأمر يبقى وسيلة لإثبات هوية هؤلاء الأتراك الناطقين بالعربية.. والذين يظهرون فى وجوهنا كل يوم على شاشات الفضائيات من إسطنبول مرتدين ثياب الوطنية ومدعين الثورية والشرف.. فلينتصروا لوطنهم أو للديمقراطية التى يتغنون بها أو لينتهوا للأبد..!
الأمر قد تحول إلى معركة بقاء للدولة الليبية ذاتها.. وللشعب الليبى الذى فرض عليه مواجهة الاحتلال التركى البغيض.. والذى أعتقد أنه سيصبح الطرف الأهم فى المعادلة كلها الأيام القادمة.. خاصة إذا كان يواجه فصيلاً يجيد «الخيانة» كما يجيد التقاط أنفاسه!!