يبدو السؤال الأول فى هذه المحاولة لفهم وقراءة ما جرى ويجرى فى الإعلام المصرى فى السنوات الأخيرة هو: شكل وصيغة الإعلام الذى قصده الرئيس السيسى عندما قال إنه «يحسد الرئيس جمال عبدالناصر عليه»، هل يمكن العودة إليه بذات الشكل وذات الصيغة؟ بمعنى آخر، هل يمكن للدولة وحدها بعد كل الذى جرى فى السنوات الطويلة السابقة أن تحتكر وسائل الإعلام؟ وبشكل أكثر صراحة، هل يمكن إلغاء الإعلام الخاص وإلغاء تراخيص الصحف الخاصة ووقف المواقع الصحفية ووقف بث القنوات الخاصة؟ وهل هذا سيعنى شيئاً أمام السموات المفتوحة وما يتسرب منها من مواد إخبارية وإعلامية إلى داخل البلاد؟ عدد الأسئلة فى هذا الاتجاه لن ينتهى، خصوصاً أن وسائل وأدوات الإعلام لم تعد كما كانت فى الخمسينات والستينات، ولا حتى السبعينات والثمانينات، من أدوات تقليدية كالصحف الورقية والإذاعة والتليفزيون.. بل استطال الأمر لما نعرفه وتعرفونه من أدوات ووسائل جديدة ممتدة، كما قلنا، من بث فضائى يمكنه أن يأتى من خارج البلاد، إلى إعلام إلكترونى يمكنه أن يأتى أيضاً من خارج البلاد، فضلاً عن صحافة إلكترونية باتت الأكثر انتشاراً فى الداخل والخارج على السواء، وأخيراً شبكات التواصل الاجتماعى وتطبيقات التراسل الإلكترونية التى أصبحت قنوات لتبادل المعلومات والأخبار بما يستحيل تجاهله فضلاً عن وقفه!
بينما يفرض السؤال الثانى نفسه: هل فعلاً الإعلام قضية أمن قومى؟ وبعيداً عن الإجابات التقليدية عن الخطر والمخاطر والاختراق بما يبدو مكرراً، إلا أن الإعلام ليس فقط أخباراً وأنباء وإشاعات، لكنه يذهب بعيداً عن ذلك فى كونه أداة تشكيل وجدان المجتمع الذى هو أفراد وجماعات، وهو أيضاً أداة الحفاظ على الهوية، وهو أيضاً أداة تشكيل الوعى الجمعى والفردى على السواء.. كل ذلك قبل أن يكون حائط صد ضد الإعلام المعادى بهجومه وأكاذيبه فى ظل مستجدات عالمية وتكنولوجية قفزت بالإعلام إلى ترتيب متقدم فى شكل الحروب الحديثة، باعتباره رأس الحربة فيها، تنفق عليه دول وجهات أموالاً طائلة ولا يخفى على أحد الدور الذى يلعبه الإعلام فى هذا الأمر منذ سقوط الاتحاد السوفيتى ومعه كتلة دول أوروبا الشرقية بالكامل دون إطلاق رصاصة أمريكية أو أوروبية واحدة، بل لم يكن هناك الإنترنت ولا الفضائيات ولا الصحف الإلكترونية ولا شبكات التواصل ولا مجمل الأدوات السابق الإشارة إليها، ولكنها مجرد إذاعة واحدة كان اسمها «صوت أمريكا» ومعها عدد من القنوات الإذاعية الموجهة، وانتهت إلى أكبر انتصار فى العصر الحديث.. وكان الإعلام فى المقدمة فيما جرى لبلادنا العربية، حيث مهدت أطراف معلومة وأخرى خفية الطريق للميليشيات الإرهابية والعصابات المسلحة بعد تشويه الجيوش الوطنية من خلال إشاعات طائفية وأخرى عن الفساد، وبما أقنع شعوب هذه الدول بحمل السلاح ضدها!
وهنا يلح السؤال الثالث فى طرح نفسه: هل قام الإعلام المصرى خلال العامين السابقين بواجبه؟ للإجابة يجب أن نسأل أيضاً: فى المعركة مع الإرهاب هل قام الإعلام بواجبه فى تغطية كل جوانب المعركة؟ نعم.. وقف مع الوطن فى تغطية كل جوانب المعركة ونقلها للناس، وبعضهم تعرّض لمخاطر كبيرة، والجميع نقل كل ما يخص الإرهاب من أخبار هزيمته والانتصار عليه إلى توديع الشهداء إلى نقل تكريم أسر الشهداء. ولا نعتقد أن وسيلة إعلامية مصرية واحدة تقاعست عن فضح الإرهاب وأفكاره ورجاله وألاعيبه وسلوكه وتحركاته وخططه، ولا نجد الفرق إلا فى الدرجة فقط والمساحة التى خُصصت لذلك!
والسؤال أيضاً: هل وقف الإعلام المصرى كحائط صد ضد حملات الإعلام المعادى؟! هل خاطب بشكل مناسب المصريين بالخارج ونقل لهم الحقائق؟ نجزم أنه تكاد لا توجد فضائية ولا صحيفة ولا موقع يعمل من داخل مصر إلا ويفرد مساحة للرد على الإشاعات والأكاذيب ويشتبك بشكل أو بآخر مع الإعلام المعادى، ويرد بالأرقام والمعلومات على كل ما يستهدف تشويه ما يجرى فى مصر من بناء ومحاولات التشويش عليه ولفت الأنظار بعيداً عنه مع مساعى إعلامنا لجذب الأنظار لاهتمامات شعبنا الحقيقية. وربما تجلى النجاح فى ذلك فى قضايا عديدة أهمها الاستحقاقات الدستورية التى جرت.. من استفتاءات دستوريه أو انتخابات رئاسية!
والسؤال أيضاً وأيضاً: هل وقف الإعلام المصرى مع الوطن فى معركة التنمية التى لا تقل صعوبة وأهمية عن المعركة مع الإرهاب؟ والإجابة الفورية أنه ربما لا توجد وسيلة إعلامية واحدة لم تشرح للناس الإجراءات الاقتصادية التى تمت وأثرها والمنتظر منها، ولا توجد واحدة منها لم تنقل كل خطوات البناء التى تتم على أرض مصر من تعمير سيناء بكل ما فيه من خطوات كبيرة جداً لم تبدأ من الأنفاق وما جرى من شقها تحت مياه القناة وبما ضاعف نقاط العبور عدة مرات واختصر وقت العبور إلى المصانع والطرق وسحارة سرابيوم والمدن الجديدة فى رفح والسلام ومزارع الأسماك إلى مطار المليز وعشرات مراكز الشباب الجديدة إلى أسطورة جبل الجلالة ومنها إلى محطة الضبعة ومحطات الكهرباء إلى الإسكان الاجتماعى إلى خطط استنهاض الصناعة إلى استصلاح الأراضى إلى الصوب الزراعية إلى المدن الجديدة إلى الطرق الجديدة إلى المثلث الذهبى فى جنوب شرق البلاد إلى المستوى الذى بلغه الجيش العظيم.
السؤال الآن:
من أين تأتى الملاحظات على الإعلام والهجوم عليه؟ وهل أصلاً ما جرى أعلاه تم بالصدفة أم بناء على مجهود كبير بذل الفترة الماضية؟ الإجابة فى المقال القادم.