أثبتت التجارب الحياتية أن للقلوب شئوناً لا بد من قدرات عالية لإدارتها، ولأنها هى نحن وما نملك وأيامنا وليالينا وأحلامنا وأمنياتنا وذكرياتنا وصناديق أسرارنا وأحبتنا وصورهم وهداياهم، فإنه لا بد أن يتحلى أعضاء مجلس إدارتها بصفات خاصة جداً من الذكاء والعطاء والاتساع والعمق وسعة الصدر والقدرة على الاستيعاب والاستماع دون ملل والرقة والدماثة والكرم والمثالية والتفاؤل والطموح. كما أنه لا بد أن يملكوا نقاء الماء العذب وحلاوة مذاقه المجهولة المحيرة وقوته وقدرته على إطفاء ظمأ العطاشى الملهوفين. ولأنه لكل كيان هيكل إدارى يقوم على ترتيب أوضاعه وتقسيم الوظائف وتوصيفها، ليحصل كل عضو على ما يناسب قدراته ويتوافق معها من مناصب أو ساعات عمل أو تكليفات أو مكافآت ورواتب ودرجات علمية ووظيفية وألقاب شرفية، فإن القلوب أولى بأن ترتب وتوظف الأدوار لكل عضو يشارك فى مساعدتها على إدارة حركة الحياة. وفى هذه المنظومة الدقيقة المعقدة المزدحمة الشرايين والأوردة والشعيرات الدقيقة الملونة بكل درجات ألوان السماء، والتى تظهر شفافة مرعبة إلى حد ما فى تلك الصور التى يضعها الأطباء فى لوحات زجاجية أمامهم وكأنهم يرفضون نسيان ما يدور داخل قلوبنا وأجسادنا، حتى فى لحظات الراحة والسكون يلعب (الأبهر) وهو الشريان الأورطى دور البطولة المطلقة، ويحمل لقب رئيس مجلس إدارة الحياة بلا منافس ولا انتخابات نقابية أو حزبية أو مبكرة أو استثنائية أو فترات تجديد أو وضع حراسات قضائية أو تجميد عمل. فقد منحته الطبيعة ذلك المنصب وتلك الوظيفة لأنه الأقوى والأجدر والأكثر احتمالاً، خاصة مع مَن يلتفون حوله من مساعدين بأسمائهم المختلفة من أوردة وشرايين وشعيرات، بعضها أيسر والآخر أيمن والعلوى والسفلى والأمامى والخلفى ومن حولهم تشكيلة غريبة وطريفة وممتعة من الهرمونات الميلاتونين الذى ينظم الإيقاع الحيوى للجسد ويضبط ساعته البيولوجية ويوقظه وينعشه، والسيروتونين باعث السعادة فى الأوصال ومحارب الاكتئاب، والأدرينالين المنبه للحواس وموسع بؤبؤ العين ومحرك العضلات، والإنسولين والبروجيستيرون وغيرهم. ورغم هذا الهيكل الوظيفى المحكم التكوين عالى القدرات فإن الأبهر كثيراً ما يصاب كغيره من الرؤساء وأصحاب المناصب العليا بالتضييق أو الالتهاب أو التمدد أو التصلب أو التسلخ، وهنا لا بد من البحث عن المساعدات والدعامات والمحفزات والبطاريات لإعادة القدرات العالية الخاصة من جديد. وبعيداً عن كل هذا، فإن مسئولى إدارة شئون القلب لا بد أن يكون بينهم آخرون بعيدون تماماً عن العلم والعلماء والرداء الأبيض وغرف العمليات ورائحة الفورمالين والمطهرات والمحفزات والمنومات والمقويات. وهؤلاء هم من قال عنهم الشعراء إنهم ماء الحياة والعمر كله والحالة الخاصة جداً. فإذا كان الأبهر يدير العمل بطريقة إلكترونية منظمة داخل الجسد، فإن الوحيد القادر على إيقاف كل تلك المنظومة وإصابتها بالتلف أو استمرارها بسلاسة وسلام هو الحب بجميع أنواعه ومراحله، منذ أول معرفتنا به فى بداية الحياة وتلك الأيام الخضراء الشفافة وحتى نهاية العمر، وكما ينصح الأطباء بالبعد عن ما يقلق السيد رئيس مجلس الإدارة (الأبهر) فإنهم ينصحونكم بالإشباع والانغماس فى الحب للحياة ولسكان القلوب حتى لا تتعرضوا لانفجار القلب المميت، حيث أثبتت الأبحاث العلمية والتجارب أن هناك ما يسمى بكسرة القلب. فأحسنوا اختيار مسئولى إدارة شئون قلوبكم حفظكم الله.