"أوهن البيوت": فتاوى لمواجهة الطلاق وزواج القاصرات وحرمان النساء من الميراث
الشرع أقر أن الطلاق ليس مفتوحاً على مصراعيه للزوجين
شهد ملف الأحوال الشخصية تدهوراً كبيراً خلال العقود الأخيرة، فارتفعت معدلات الطلاق بشكل غير مسبوق، وزادت مشكلات ما بعد الطلاق، وتعقدت أمور الزواج، نتيجة الغلاء الفاحش فى قائمة المنقولات الخاصة بالعروسين، كذلك زادت ظاهرة زواج القاصرات، وجرائم الشرف، وهو ما حمل الدولة على دعوة المؤسسات الدينية على العمل لمواجهة كل تلك الآفات المجتمعية، وتحدث الرئيس السيسى أكثر من مرة عن ضرورة مواجهة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق.
وشهدت دار الإفتاء 460 ألف طلب فتوى للطلاق خلال عام 2019، فيما شهدت فتاوى الزواج ما يقارب 40 ألف فتوى، ولمواجهة زواج القاصرات، أنشأت دار الإفتاء وحدة الإرشاد الأسرى التى قامت بحل الكثير من المشكلات الأسرية وأصلحت بين الزوجين وعملت على الحفاظ على الترابط الأسرى، وحتى قبل الزواج قامت الدار بتنظيم دورات المقبلين على الزواج والتى اشترك فيها عدد كبير من الفتيات لتأهيلهن لبدء حياتهن الجديدة.
الإفتاء: للزواج أعباؤه المادية والمعنوية التى لا تحتملها القاصر.. وتزويجها من أسباب الطلاق المبكر
وأكدت الإفتاء، فى فتوى لها، أن زواج القاصرات حرام شرعاً، كما أنه مخالف للقانون، لأنه يؤدى إلى الكثير من المفاسد والأضرار فى المجتمع، فالإسلام اعتنى بالأسرة أعظم عناية، واهتم بأسس تكوينها اهتماماً عظيماً، كما أكدت الدار أن ما يقدم عليه البعض من تزويج البنات القاصرات هو عمل مناف لمقاصد الإسلام ويمثل جريمة فى حقهن، وذلك لعدم قدرة الفتاة القاصر على تحمل مسئولية الحياة الزوجية والقيام بالأعباء المادية والمعنوية اللازمة لاستمرارها، ما ينتج عنه الكثير من الأضرار والمفاسد التى تؤدى لفشل هذه الزيجات وانتشار حالات الطلاق المبكر. أشارت دار الإفتاء إلى أن الحكم الشرعى المناسب للواقع والحال والمتوافق مع الحكمة من الزواج هو حرمة زواج القاصرات، ووجوب الالتزام بالسن القانونية لزواج الفتيات، والقاعدة الشرعية تقرر أن: «دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح».
كما خاضت الأوقاف حرباً ضروساً ضد تزويج القاصرات، حيث قامت الوزارة بإعداد برنامج لتدريب الأئمة على محاربة تلك الظاهرة السيئة، ومنعت عقد مثل هذه الزيجات بالمساجد، وعاقبت العديد من الأئمة الذين ساهموا فى تسهيل عقد مثل هذه الزيجات بالمساجد.
"الأوقاف" تحظر عقد القران العرفى بالمساجد
وأكد الشيخ محمد البسطويسى نقيب الأئمة، لـ«الوطن» أن الوزارة واجهت تلك الظاهرة على مسارين، الأول هو تكثيف العمل الدعوى لمواجهة الظاهرة، حيث تم تكليف الأئمة والدعاة، خصوصاً فى الأرياف التى تشتد بها الظاهرة بالحديث للناس من خلال الدروس والقوافل الدعوية حول خطورة الأمر على صحة الأم والمجتمع، والثانى عبر المنع التام لعقد القران العرفى بالمساجد بشكل مطلق، وتخصيص المأذونين الرسميين فقط بعقد القران ومنع الوكلاء أو غيرهم من عقد القران، لتساهلهم فى شروط العقد، حيث تم إصدار تعليمات لمديرى المديريات والإدارات والمفتشين باتخاذ أقصى عقوبة قانونية تجاه أى تجاوز فى أزمة زواج القاصرات.
وعلى جانب الزواج العرفى، أصدر مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية فتوى حول حكم الدين فى الزواج العرفى الذى يتم دون شهود. وقال المركز فى فتواه إن الزواج حتى يتم ويطلق عليه اسم زواج، فلا بد من توافر شروطه وأركانه والتى هى: الإيجاب والقبول والشهود والولى، وإذا فقد العقد أحد هذه الشروط فلا يعتد به، ولا يكون زواجاً لا عرفياً ولا غيره، بل هو محض زنا، لأنه تم دون وجود لأركان العقد وشروطه، وعلى من فعل هذا أن يقلع ويبتعد عن هذا الفعل مباشرة، وأن يلتزم التوبة إلى الله عز وجل وكثرة الاستغفار».
فيما أكد مجمع البحوث الإسلامية أن الزواج ميثاق غليظ، والطلاق له حالات محددة، وإن كتب الفقه بعد أن ناقشت الزواج والخطبة والطلاق فى الأبواب المخصصة للأسرة، بحثت الآثار المترتبة على عقد الزواج الصحيح، وأكد أن الزواج ميثاق غليظ، وليس نزهة نستمر فيها إذا أعجبتنا ونتراجع عنها إذا لم تعجبنا، لأن الأسرة مسئولية ولها بعد شرعى عميق، فهى التى تحقق المقاصد أو الإرادة الإلهية، كونها الوسيلة الوحيدة التى تستمر بها خلافة الإنسان لله على الأرض، مضيفاً أن الطلاق ليس مفتوحاً على مصراعيه، وإنما له حالات محددة يستحيل الحياة معها، وهى حالة النشوز، وهى حالة لا يمكن علاجها، كما أن المرأة ليست حرة فى هدم البيت لمجرد أن تغضب، فقد قال رسول الله: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة».
وقال الدكتور نظير عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لـ«الوطن» أن فوضى الطلاق هى أحد مظاهر الفوضى فى فهم النصوص الشرعية، نظراً لإقدام كثير من المسلمين على استباحة الطلاق فى كل الظروف والأحوال، حتى لو كانت الزوجة مسالمة ومحترمة لزوجها، فبمجرد أن يميل قلبه إلى أخرى يطلقها حتى لأتفه الأسباب. أوضح المجمع أنه ليس صحيحاً أن الإنسان حر فى أن يطلق لأى سبب، فهناك نوعان من الكره بين الزوجين، فهناك نوع لا يؤدى إلى الانحراف، وقد شجع القرآن على تحمل هذا النوع وأغرى بالصبر عليه، كأن تكرهها لكنها مؤدبة ولا تسىء لك، فيقول تعالى: «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً» وهذا الصبر مطلوب والزوج يدفع ثمنه، لكن كل شىء فى هذا الكون له مقابل، يقول المولى: «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً».
ولفت أمين المجمع إلى أن النوع الثانى من الكراهية هو الكره الذى يتسبب فى «البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى»، يقول تعالى: «إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله» فهناك كره يمكن الصبر عليه وتستمر الأمور، لكنّ هناك كرهاً قد يدفع الشخص للانحراف والتجاوز فى حق الطرف الآخر، وهذا النوع مبيح للطلاق، فالإسلام دائماً يعطى ميزاناً للأضرار، والقاعدة هى أن الضرر الأكبر يزال بالضرر الأصغر، والضرر الأكبر هنا هو انحراف الزوج إذا استمر مع زوجته، بينما هناك ضرر أصغر وهو الطلاق، لذا نزيل الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.
وأشار إلى أن الطلاق الذى يقع بغير ضرورة يكون نكران نعمة وسوء أدب وإلحاق ضرر بالزوجة وأهلها وأولادها، لذا يقول «ابن الهمام»: والأصح فى الإجابة عن سؤال ما حكم الطلاق؟ هو حظره إلا لحاجة، والمحظور فى الأحكام الشرعية هو الذى إذا وقع يكون فيه إثم، ودائماً الحكم بالحظر أو الإباحة يدور مع علة الظلم وجوداً وعدماً، فهناك من يطلق ولا يعطى زوجته متعة ولا نفقة ويترك أولاده عالة عليها وعلى أبيها.
"البحوث الإسلامية": عدم توريث المرأة عادة جاهلية
كما واجه مجمع البحوث الإسلامية عادة عدم توريث الإناث وأكد أن ذلك من أسباب دخول النار، وأن عدم توريث الإناث عادة جاهلية حاربها الإسلام، مؤكداً أن قضية الميراث خطيرة، ولهذا تولى الله - عز وجل وحده قسمة التركات لرفع النزاع، وأن تغيير هذا النظام الربانى لتوزيع التركة سبب من أسباب دخول النار، مشدداً على أن عادة منع البنات من الميراث بحجة أن المال سيذهب إلى أزواجهن ونحو ذلك من الحجج، عرف فاسد يتصادم مع نصوص الشرع.
مبادرات لتيسير أعباء الزوجية
وسعت المؤسسات للحث على تيسير الزواج، قال الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، إن المغالاة فى المهور وتكاليف وأعباء الزوجية تخالف روح الإسلام، فبركة الزواج مرتبطة باليسر، وقد جاءت النصوص الشرعية لتحث على الاقتصاد فى تلك الأمور وتربط البركة فى الزواج بيسر المهر والتكاليف، فقال النبى: «أكثرهن بركة أقلهن مهوراً»، وقوله: «خيرهن أيسرهن صداقاً»، وهو ما يوضح أن التيسير فى التكاليف تعقبه البركة فى الزواج والسعادة بين الزوجين بلا شك.
كبار العلماء: المغالاة فى المهور تخالف روح الإسلام.. وبركة الزواج مرتبطة بالتيسير
وأوضح «مهنا» أن ما نراه الآن فى العالم العربى من مغالاة لا مبرر لها، وشحن البيوت بأمور لا حاجة لها والخلاف على أتفه الأمور، ووقف الطرفين لبعضهما كعدوين فى معركة حربية يثير العجب ويخالف صحيح الدين، والسبب فى ذلك طغيان الحياة المادية والمباهاة الكاذبة، وهذا نعانى منه فى الأرياف بشكل أكبر، حيث ترى 10 عربات مكدسة بالأثاث والأجهزة والأدوات المختلفة، ما لا تستوعبه شقة الزوجية، وليعلم كل متورط فى هذا الهراء أنه يسير عكس روح الشرع فى الزواج، فما سيقام على المنافسة والمباهاة ستبعد عنه المودة والرحمة اللتان تعدان جوهر الزواج فى الإسلام.