اخترنا العنوان أعلاه عن عمد.. الأسهل والأجمل بل والمنطق يقول إن العنوان الأكثر اختصاراً هو «الإعلام المصرى» لكن فى الحقيقة العنوان على هذا النحو لن يكون دقيقاً.. فالإعلام فى مصر يختلف عن الإعلام المصرى.. أموال كثيرة كانت تعمل فى الإعلام على أرض مصر.. بعضها يستثمر وبعضها تعددت أهدافه.. كثيرون منهم بدأوا مبكراً بعد أن التقطوا الخيط مبكراً جداً.. يكفى أن نعرف أن الـ«بى بى سى» تعمل منذ أوائل العشرينات وبجدول أعمال محدد وثابت لم يتغير قط، واعتقادنا أنه لن يتغير أبداً.. بينما وبعد فشل نقل تجربة الـ«بى بى سى» كاملة إلى أحد البلاد العربية الشقيقة كانت «الجزيرة» فى منتصف التسعينات وبما يشى بالإدراك المبكر لأهمية الإعلام فى الحروب الجديدة، ويبدو طبعاً المثال الأبرز فى راديو «صوت أمريكا» السابق وكيف تمكن مع بعض العوامل والأدوات الأخرى من تحقيق أكبر نصر فى القرن العشرين فى تقديرنا بإسقاط الاتحاد السوفيتى ومعه الكتلة الشرقية بالكامل بعد توجيه وتركيز إعلامى مكثف داعب أحلام شعوب هذه الدول فى الحرية والديمقراطية وغرائز أساسية فى مجالات الاستهلاك وما وصفوه لهم بـ«جنة الغرب»!
فى بلادنا لم يكن الحال بعيداً ولا غريباً.. بل وفى مصر تحديداً خصوصاً بعد تأسيس بنية أساسية قادرة على جذب المهتمين بالأمر وفى اعتقادنا أن بعضهم كان سيأتى إلى مصر بأى طريقة لأنها الهدف الأول والأخير لقوى عديدة تستهدفها تستهدفنا ولذلك كان مشجعاً جداً إطلاق النايل سات وتأسيس مدينة الإنتاج وإطلاق حرية تأسيس الشركات.. فتدفقت الأموال.. كثير منها عروبى وقومى ومحب لمصر.. بل بعضهم كان يتخذ من القاهرة مقراً دائماً أو شبه دائم له، أو على الأقل كان الإعلام جزءاً من استثمارات عديدة له فى البلد الذى يحبونه.. مصر.. بينما آخرون لم يكن الأمر كذلك حتى لو كان أطرافها أو بعض أطرافها مصريون.. فمرت فترة لا نعرف من أين الأموال ولماذا وكيف!!
كاتب هذه السطور يتذكر عندما حضر قبل سنوات الارتباك الكبير فى مصر، مفاوضات إحدى الشركات العربية -غير خليجية بالمناسبة- مع رجل أعمال مصرى كان قد شرع فى تأسيس شبكة قنوات وعرضت الشركة، التى أرسلت وفداً كبيراً ورفيعاً من مقرها الرئيسى استقروا وقتها فى واحد من أهم فنادق القاهرة، مبلغاً خرافياً مقابل احتكار إعلانات الشبكة فى مقابل طلب واحد ويبدو بسيطاً وهو أن خريطة البرامج تراجع وتعتمد منهم بخلاف ما سيضعونه بأنفسهم عليها.. وتساءل رجل الأعمال فى دهشة عن سر ذلك وما يريدونه! وألغى الاتفاق ولم يلتقهم وبعد فترة لم يكتمل المشروع كله!
كان السؤال ملحاً.. لكنه صار سؤالاً نووياً ما أن تطرحه حتى ينشطر منه أسئلة أخرى عديدة.. كم فضائية عرض عليها مثل ذلك؟ وكم منها قبل؟ وكم منها تأسس أصلاً بالاتفاق مع مثل هذه الشركات؟ ومن يقف وراء هذه الشركات أصلاً؟ وإلى أين تنتهى وتمتد خيوطها؟ وما سر كل هذه الأموال؟ إلا أن الحال وقتها وقبلها بسنوات أخرى تكفى نظرة إليه للإجابة خصوصاً أن بعض الصحف صدرت فى ظروف مريبة عندما نقيمها حتى بأثر رجعى.. وأى تأمل لمحتواها وقتها يجده يساهم فى تمرير «الإخوان» بأفكارها وقياداتها ورجالها إلى المجتمع المصرى.. فلا يمر عدد إلا وخبر عن الجماعة فى صدر عناوينها.. إن ذهب مرشدهم أو جاء خبر.. إذا رفضوا شيئاً أو وافقوا عليه خبر.. حتى إن لعبة توزيع الأدوار داخل الجماعة كانت تنقل أيضاً للقارئ.. فمثلاً، أحدهم يقول إن الإخوان مع تولى قبطى للمناصب العليا فيستولى على نصيب من التغطية وردود أفعالها وخلافه.. بينما يصرح آخر برفضهم ذلك بحيثياته وردود أفعال التصريح وخلافه!! وهكذا الحال فى القضايا الخلافية.. عمل المرأة.. وغيره!
كانت الحالة وقتها ومناخ الإعلام باختصار بنية أساسية جيدة وتشريعات ولوائح تشجع على الاستثمار الإعلامى، لكن.. وعند لكن نتوقف.. إذ كنا حتى وقت قريب مضى أمام أموال لا يعرف أحد سر تدفقها وأمام محتوى بعضه مريب.. طائفياً، مذهبياً، تحريضياً لا يتفق مع التحولات فى السياسة المصرية بعد 2014 التى تجمع ولا تفرق.. تحمل دعوات التسامح للجميع.. تضع جهودها كلها فى محاربة الإرهاب الذى نعرفه ونعتبره خطراً علينا وعلى أشقائنا ونقف بسبب ذلك مع جيوشنا الوطنية ومؤسسات دولنا العربية الشقيقة.. بينما الخطاب المصرى هكذا كانت منصات إعلامية من داخل مصر تبث خطاباً عكسياً ومعه محتوى آخر يستهدف خلخلة المجتمع المصرى يبدأ من خطاب للطفل ربما أجمع خبراء الإعلام مع الطب النفسى مع خبراء التربية على أنه يدعو للبلاهة والتخلف وأحياناً للانحراف ومثله استهدف المرأة المصرية وحياتها والإساءة إليها، لم يتوقف كل ذلك عند حدود محتوى البرامج بل استطال ليشمل الدراما والإعلان التجارى الذى جرف معه الذوق العام والسلوك اليومى لفئات عديدة، كما حاول ترسيخ قيم الفهلوة والاستسهال فى الصعود الاجتماعى والحصول على الثروة والاستهانة بالعلم وبالتعليم وبمنظومة القيم والقانون والنموذج والقدوة والتسامح وإهانة المجتمع المصرى دون حتى مراعاة لوجود ملايين منه يعملون بالخارج، بل شمل المحتوى الدعوة إلى قيم عكسية منها استسهال الحرام والحض على الرذيلة وتزيينها والدعوة لخدش الحياء العام وتزيين فكرة الهجرة للخارج وأحياناً محاولة الإساءة إلى مؤسسات الدولة المصرية!
وفوق ذلك كله بلا جهة تراقب وتحاسب!
كان لا بد إذن من وقفة.. لم يستوعبها البعض وقتها.. لكن ربما يستوعبونها الآن!