الأعمال الكبيرة تحتاج إلى جهود كبيرة.. هذا صحيح، لكنها تحتاج أكثر إلى الصبر وانتظار الحصاد والثمار.. والكلام عن الإعلام فى مصر كثير ويحتاج إلى مساحات أكثر.. وحلقات أطول، لكن وبدون قفزات درامية فوق الموضوع تتجاهل مساحات مهمة فى الملف الشائك يمكننا القول إننا وصلنا الآن إلى إعلام يمكن وصفه بالإيجابى والآمن يمكن للأسرة المصرية أن تجلس أمام شاشاته مجتمعة دون أن يخشى رب الأسرة، أو ربّتها، فقرات أو عبارات خارجة مخجلة ومبتذلة.. يمكنه أن يشاهد مطمئناً فقرات مفيدة له ولأبنائه على السواء.. حتى لو لم يجد ما تعود عليه لسنوات طويلة من برامج زاعقة ليست إلا صراع ديوك لا هدف منها إلا الاستيلاء على أكبر عدد من المشاهدين تتحول إلى عوائد إعلانية أو من خلال حصة الاتصالات الهاتفية!!
كما لن يجد المشاهدون الآن حلقات، أو على الأقل تراجعت نسبتها ومساحتها، فيما يعرض على عموم الشاشات الفضائية المصرية هذه المرة، موضوعات الخرافة والجهل والدجل والشعوذة وحلقات استخراج الجان وتراجع مع ذلك كله الموضوعات الخاصة ببعض أنواع الطب البديل من غير المتخصصين، كالعلاج بالأعشاب والتداوى ببعض العلاجات التى لا علاقة لها بالطب أو مشتقاته!
اختفت الآن من على شاشة البرامج الفضائية المصرية برامج الإحباط التى تعتمد على صورة أحادية تتجاهل باقى معالم الصورة يكون هدفها الإثارة واللعب على مشاعر البسطاء والاستحواذ على مشاعرهم وأحياناً توجيهها فى الاتجاه الخاطئ فيستثمرها أعداء مصر!!
تبدو الشاشة أهدأ كثيراً وأقل ضجيجاً.. على خلاف ما تعود عليه المواطن طوال سنوات البث الفضائى منذ إطلاقه.. تتبقى شكوى المصريين من عدة أمور.. حرية مطلقة للتعبير، وهى إن كانت أطلقت بلا ضوابط الفترة الماضية لبلغنا حدود الفوضى بلا جدال لكنها الآن فى طريقها الصحيح بعد درجات مرتفعة من الرشد بلغها الإعلاميون والمواطنون على السواء.. كما تتبقى شكوى الكثيرين من وجود وجوه إعلامية عليها ملاحظات، لكن حتى هذه لم تعد على إطلاقها أو أمراً واقعاً لا حل له.. إذ إن وجوهاً جيدة شقت طريقها إلى المصريين وإلى النجاح.
فى «دى إم سى»، يطل رامى رضوان فى المساء وآية جمال الدين فى الصباح وبينهما خلطة جيدة تضم البرنامج الدينى بوسطيته وسماحته ومع رمز من رموز الاعتدال هو الشيخ خالد الجندى بالإضافة للمسلسل العربى.. وعلى «سى بى سى» يختلط النجاح الكبير الذى حققته الفترة الماضية الإعلامية ريهام إبراهيم بحضورها الطاغى ووجهها الذى يلقى قبولاً كبيراً مع الصاعد الواعد عمرو خليل، الذى ينتقل بنجاحه من شاشة إلى أخرى اعتماداً على فريق عمل يرأسه الزميل عادل الدرجلى بخبرته الكبيرة فى الإعداد التليفزيونى!
أما «إكسترا نيوز» التى أعادت الاعتبار لشاشات الأخبار المصرية، فتستحق أن نفرد لها مقالاً مستقلاً ليس لاتساع مساحة البرامج ومذيعيها فقط، وإنما أيضاً القدرة على تحقيق النجاح بأقل إمكانيات ممكنة حتى إننا نكاد لا نرى مراسلاً أو قل مكتباً واحداً خارج البلاد أو فى أى عاصمة أجنبية، لكن يتم توظيف التكنولوجيا وقد تمكن المحررون وفرق الإعداد من تعويض ذلك ضمن مرونة فائقة!
فى «الأون تى فى» حالة استقرار وثبات بالرغم من انتقال وائل الإبراشى إلى شاشة التليفزيون المصرى، وفى «الحياة» ومع خريطة برامج جيدة ومتكاملة تسترد لبنى عسل تألقها بإطلالتها شبه اليومية ويستمر استقرار «صدى البلد» بخريطتها المعتادة وإعلامييها بتنوع برامجهم، فى حين ينتظر الجميع أثر ونتائج التطوير على شاشات التليفزيون المصرى الذى يشهد اجتهادات عديدة من عدد من إعلامييه فى برامجهم رغم صعوبة الأحوال والإمكانيات لكن يبدو النجاح لـ«صباح الخير يا مصر» الأبرز ربما لحشد الإمكانيات له، رغم محدوديتها أصلاً!
بينما تبقى الإذاعة المصرية، كما هى فى منطقة ثباتها الدائمة، تؤدى دورها الوطنى والتنويرى والأخلاقى بكل شبكاتها وتنوعها.
على كل الأحوال.. لم يكن ممكناً الانتقال بالإعلام من حالة إلى حالة فى ظل الظروف القائمة، التى تطرقنا لبعضها فى الحلقات الفائتة إلا بهدوء يضمن عدم الانهيار أو الانفلات ويضمن العبور من منطقة إلى أخرى عبوراً آمناً.. مع الاعتراف بتحمل أشياء عديدة.. فمثلاً، أن تنخفض الأعمال الدرامية أفضل كثيراً من طغيان الابتذال على أغلبها.. وأن تتحدد ساعات البرامج أفضل كثيراً من غلبة برامج الثرثرة والمعارك الهوائية.. وأن تكون هناك سلطة عليا تراقب الشاشة وفقاً للقانون -وفقاً للقانون- خير من خلط الحابل بالنابل. وأحياناً خلط الهبل بالشيطنة!!