إذا كان السؤال هو مَن المسئول عن عودة الإخوان إلى مصر بعد أن اختفوا تقريباً فى سنوات الستينات؟ فعلينا أن نقرأ جيداً ما جرى فى الجامعات المصرية فى بداية السبعينات، حين تم تدعيم الجماعات الدينية وتمويلها والسماح لها بالسيطرة على الجامعات، وقد عرضنا الأسبوع الماضى لشهادة مؤسس جماعة أنصار الإسلام، وائل عثمان، وهى الجماعة التى نافست «الجماعة الإسلامية»، التى أسسها عبدالمنعم أبوالفتوح فى نفس الوقت، وفى شهادته التى سجلها الباحث الراحل حسام تمام (دار الشروق - ٢٠٠٩) حاول «أبوالفتوح» كثيراً أن ينفى وجود صفقة مع الرئيس السادات، ولكنه اعترف بعدد من الأخطاء التى وقع فيها هو وزملاؤه، منها إيمانهم بالعنف كوسيلة للتغيير، وإقدامهم على الاعتداء على زملائهم المخالفين لهم فى الرأى، والطابع السلفى المتزمت الذى صبغ تدينهم، لكنه لم يعتبر أنه كان ثمة صفقة بينهم وبين الرئيس السادات رغم أنه يعترف بأن الجسور كانت مفتوحة بينهم وبين النظام فى أعلى مستوياته، وأن أجهزة الأمن كانت تخشى إغضابهم، وأنه كان يستطيع اصطحاب ألفى طالب كى يقيموا مخيماً إسلامياً فى الصحراء دون إخطار مسئول واحد أو الحصول على موافقة أى جهة!
لقد كانت «الجماعة الإسلامية» هى الباب الذى عاد منه الإخوان إلى مصر، ولم يمر سوى خمس سنوات على تأسيسها فى الجامعة حتى كتبت جريدة «المنيتور» عن عودة الإخوان فى مصر.. كان لعملية عودة الإخوان أبطال بلا شك، وكان البطل الأول هو عبدالمنعم أبوالفتوح، كان معه زملاء آخرون أصبح بعضهم من قيادات الإخوان فى مصر، وأصبح آخرون من نجوم الدعوة السلفية، وحمل آخرون السلاح فى الصعيد، لكن نقطة البداية كانت من جامعة القاهرة.
كما يروى أبوالفتوح، فى شهادته، فقد كانت الساحة خالية تماماً، لم يكن هناك فى الستينات أى إشارة لنشاط للإسلام السياسى من أى نوع، لكن مساجد الجمعيتين السلفيتين (أنصار السنة، والجمعية الشرعية) كانتا مفتوحتين للمؤمنين بالمشروع الإسلامى، وحتى عندما حلت أجهزة الدولة جمعية أنصار السنة، فقد سلمت أموالها ومساجدها للجمعية الشرعية كى تديرها.
كان من آثار هزيمة يونيو انتشار الدروس الدينية وانتعاش حلقات التعليم الدينى فى المساجد، كان الدعاة الدينيون ذوو الماضى التنظيمى فى الإخوان هم أبطال المرحلة «بزغ عدد من العلماء الذين نشطوا فى هذه الفترة منهم الغزالى، والشيخ سيد سابق»، يقول أبوالفتوح: «انتعشت المساجد بعد أن ارتفعت عنها القبضة الأمنية، وانهار الحلم الناصرى..».
كان لشيوخ السلفية أيضاً دورهم فى إبقاء جذوة الإسلاميين مشتعلة «كان الشيخ البحيرى شيخ مشايخ الجمعية الشرعية أبرز من ساهموا فى تغيير صورة الإخوان للأفضل».
أما أبوالفتوح نفسه فقد كان تكفيرياً.. «كنت أعذر هذا الفصيل الذى خرج على الأستاذ الهضيبى عام ١٩٦٥ وكفّر عبدالناصر وجعله خارجاً عن الإسلام».
دخل الطلاب الذين تربوا على يد الدعاة الإخوان للجامعة ليواجهوا اليساريين «كانت مفاجأة لنا أن مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة».. وكان للشيخ الغزالى الدور الأكبر فى توجيه الجيل الأول من الطلاب الإسلاميين «كان أقرب الشيوخ إلينا، وكان يوجهنا، وينصحنا بقراءة كتب معينة». تحتشد شهادة عبدالمنعم أبوالفتوح بالمئات من التفاصيل، لكن المعنى الذى يكمن وراءها أن عودة الإخوان إلى مصر بعد اختفائهم كانت عملية مصنوعة ببراعة، وأن هذه الصناعة شاركت فيها أطراف من داخل مصر ومن خارجها، وأنه لولا عملية التصنيع هذه لما جاء اليوم الذى يصعد فيه إخوانى إلى سُدة الرئاسة فى مصر، ولولاها أيضاً لما واجهنا هذا الطوفان من عمليات الإرهاب وكل التداعيات التى تلت ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.. من المهم جداً أن نعرف الماضى إذا أردنا أن نقرأ المستقبل.