اهتم الإسلام بوظيفة الأمن (الشرطة) وبحاجة الفرد والمجتمع إلى الأمن، وبيَّن القرآن أن الأمن ضرورة من ضروريات الحياة البشرية، وعامل أساسى لاستمرارها، فإن كنا نتصور أن الإنسان يعيش بدون غذاء فإن الحال هكذا بالنسبة للأمن.
وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك، بل وضع الأمن قريناً للغذاء فى قوله تعالى: «لإيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، فهذا النص القرآنى يبرز أهمية دور الشرطة فى المجتمع.
وهناك ثلاثة أماكن وصفها الله -سبحانه- بالأمان فى القرآن الكريم، فقال عنهم (آمنين)، وهم: الجنة، ومكة، ومصر، فقال عن الجنة: «ادخلوها بسلام آمنين»، وقال عن مكة المكرمة: «لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين»، وقال عن مصر: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».
وقد صدر كتاب بعنوان (الشرطة من منظور إسلامى) لمؤلفه العميد «عبدالواحد إمام»، تحدث فيه عن دور الشرطة من منظور إسلامى، وتناول عمل الشرطة كرسالة له قدسيتها، وليس كمهنة أو وظيفة، والمطَّلعُ على الكتاب يرى أن دور الشرطة من منظور إسلامى يتسق مع الدور الذى تقوم به الشرطة من منظور الدولة الحديثة، فى أنها تحقق الأمن، وتحافظ على الهدوء والسكينة، وتحارب السرقة والتعدى، وتقف بالمرصاد أمام التيارات المنحرفة التى تريد هدم مؤسسات الدولة، وأولها مؤسسة الشرطة نفسها، وتحافظ على حركة التنقل والسفر، وتحمى أسرار البلاد من الإفشاء.
استعرض الكاتب كيف أن الإسلام اعتبر الشرطة القائمة بالأمن منةً عظيمة من الله، زكاها الرسول الكريم فى حديثه الشريف الذى قال فيه: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله»، ومن سبيل الله يشمل الحفاظ على الوطن واستقراره، بل إن القرآن يشير إلى أنه متى تحقق الأمن للفرد والمجتمع تحقق الخير والرفاء والرخاء فى كافة مجالات الحياة، وقد صور القرآن ذلك فى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ). ومما يستوجب على رجل الشرطة لتحقيق العدل والأمن أن يكون منصفاً متحرياً الدقة، متصفاً بالحيدة، مبتعداً عن الأغراض الشخصية، لا يتجاوز فى حق أحد على حساب أحد، ويطبق القانون على الجميع بلا انتقاء، وفى هذا يقول المؤلف: إن رجل الشرطة لا بد أن يراعى كافة الخصوم، فلا يغالى لخصم لصالح خصم لغرض فى نفسه أو لمحسوبية أو صلة قرابة أو صداقة، والقرآن يحس على العدل ويدعو لتحقيقه، فيقول: «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا».
ولأن الدولة تعمل على إخفاء أسرارها وتأمينها بكافة السبل، فإن المؤلف يعتب على من يزعمون ادَعاء المعرفة فيقومون بثرثرة تحت مسمى أنهم حصلوا على وثائق أو أسرار بحكم عملهم أو ارتباطهم بأحد العاملين بالشرطة، وينشرونها على الملأ ويكون فيها ضرر بالأمن العام، ولذلك فإن الشرطة يقع عليها فى هذا الاتجاه مهمتان، الأولى: مهمة حفظ أسرار الشرطة نفسها، بعدم السماح لأحد بالتقاطها، وحفظ أسرار البلاد بضبط من يقوم بنقلها بقصد أو بدون قصد، وليس أدل على ذلك من أن القرآن الكريم ذكر أن يعقوب طالب ابنه يوسف بعدم البوح بأسرار ما رآه فى المنام لإخوته، منعاً للحسد والمكيدة، فقال له «يَا بُنَىّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»، فما بالنا بالبوح بسر من أسرار الوطن هنا أو هناك.