جماعة "الصحوة الإسلامية" في السعودية: عهد جديد لدحر التشدد.. ودعم مسيرة الإصلاح الديني
عائض القرنى فى فيديو الاعتذار
بدأت المملكة العربية السعودية، عهداً جديداً فى محاربة جماعات الإسلام السياسى فكرياً، خاصة المسماة بـ«الصحوة الإسلامية»، وذلك عقب إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد، فى 2017 بشكل واضح، أنهم سيقضون على التطرف، والعودة إلى الإسلام الوسطى وقيادة المملكة إلى التخلص من الأفكار المتشددة، لتتماشى مع تطلعات مجتمع سعودى شاب، الذى كان إيذاناً بانتهاء الإسلام السياسى الذى ظل يرتع فى المملكة 30 عاماً مضت، سيطر خلالها على الشأن الدعوى ونشر العديد من الفتاوى التى تسببت فى أزمات فكرية كبرى للمملكة والمسلمين.
وعقب إعلان ولى العهد، بدأ وهج «الصحوة الإسلامية» بالأفول، وجاء اعتذار قائدها الحالى الدكتور عائض القرنى، وأحد أبرز وجوهها فى الثمانينات والتسعينات فى برنامج تليفزيونى، ليسطر لواقع جديد لم يكن يتخيله أكثر الحالمين بالإصلاح الدينى، فقد تحدث عن الأخطاء فى مسار صحوتهم بـ«أن أبرز أخطاء الصحوة الاستراتيجية تمثّلت فى مواجهة الدولة ومحاولاتها فرض الوصاية الصحوية عليها وتهميشها العلماء»، معترفاً بأن السعودية كانت قوية فى المواجهة، موضحاً أن هناك مراجعات كاشفة شاملة، مقدماً اعتذاره للسعوديين قائلاً: «أعتذر باسم الصحوة للمجتمع السعودى عن التشدد أو الأخطاء التى خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيَّقت على الناس»، مشيراً إلى أنه مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الذى نادى به الأمير محمد بن سلمان، كاشفاً عن دور قطر وأميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة فى دعم صحوتهم تلك واستمالتهم لخدمة أغراضها ونشر التشدد داخل المملكة وخارجها.
وكان لاعتذار «القرنى»، وقع هائل على الأوساط العلمية والدعوية، فرحبت دار الإفتاء المصرية، باعتذار الداعية السعودى عبر برنامج «الليوان» على فضائية «روتانا خليجية»، عن الأفكار المتشددة التى كان يدعو إليها، معتبراً أنها «خطوة مهمة وجريئة فى طريق التخلص من التطرف والتشدد»، مؤكداً أن الرجوع إلى الحق شجاعة أدبية ودينية مثمنة.
وأوضح مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع للدار، فى بيان، مؤخراً، أن «شهادة القرنى واعتذاره أثبت عدداً من المرتكزات الأساسية الداعمة للتطرف فى المنطقة العربية، أبرزها الدعم الخارجى والتمويل المالى للمتطرفين بدول المنطقة وعلى رأسها (قطر)، حيث أكد فى حديثه أنها تعمل على دعم أجندات الإخوان وطالبان وتركيا، بتوجيه بوقها الإعلامى (قناة الجزيرة) لتحسين صورهم المشوهة وخطابهم الدموى»، مضيفاً أن ما قدمه من اعتذار وتراجع عن أفكار متشددة يُعد شهادة للتاريخ عن الأطراف الداعمة لهذا الخطاب، فقد فضح مساعى «الدوحة» فى تدعيم هذا النمط المشوه من الأفكار الدينية المغلوطة عن الإسلام، فهى تسعى إلى استقطاب الدعاة المتشددين واستضافتهم ودفع رواتب لهم والترويج لأفكارهم وخطاباتهم، مع توظيفهم للترويج لأفكارها ومنهجها.
وأشار المرصد، إلى «أن كلمة القرنى أوضحت دور تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية فى نشر الأفكار المتطرفة، حيث أفاد الداعية أن منهج تنظيم الإخوان يتحمل مسئولية الدماء فى المجتمعات العربية، وأن هذا المنهج هو منبع التشدد الذى تنهل منه الجماعات والتنظيمات الإرهابية أفكارها وخطاباتها». ودعا المرصد إلى ضرورة تبنى سياسة منفتحة فى استيعاب نماذج المراجعات الفكرية لمن كان يتبنى أفكاراً متشددة، حيث تعتبر هذه النماذج فاضحة لسلوك هذا النمط من التفكير، مشيراً إلى ضرورة تسليط الضوء عليها وتوضيح الخط الفكرى لها، وتطوره من التشدد إلى العودة لروح الدين التى تقدس المعانى الإنسانية وتحقق مراد الله فى خلقه.
وذكر المرصد أنه يرحب بكل مبادرة أو مسعى شخصى أو جماعى لإحداث مراجعات حقيقية والتراجع عن التطرف والتشدد والعنف، مؤكداً أن الدين الإسلامى دين سماحة وعفو، ما لم يتورط أحدهم بإراقة دماء مباشرة. وأكد أهمية المراجعة الشاملة والمستديمة، والاستفادة منها فى تحصين الشباب والأجيال الجديدة من الوقوع فى الأخطاء نفسها التى وقع فيها من سبقهم، مختتماً بأن «توبة القرنى واعتذاره المباشر دليل على نجاح المساعى الفكرية الإقليمية والدولية فى محاصرة الأفكار المتطرفة، وكشف الأذرع الداعمة للتطرف والإرهاب فى المنطقة، وهى من نتائج المواجهة الفكرية التى تقوم بها بعض الدول وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر فى مواجهة التطرف والإرهاب»، وأوضح أن اعترافات الداعية تضمنت معلومات مثيرة بشأن محاولات قطر تجنيد رجال دين ومعارضين لضرب استقرار المنطقة، قائلاً: «إنه كلما ابتعدت عن دولتك.. كلما كنت محبباً لديهم (القطريين)».
وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن «المراجعات التى تحدث فى السعودية أمر يثير السعادة لدى أى عالم أو مهتم بالدين، فللمملكة مكانة خاصة فى قلوب المسلمين قاطبة، فهى قلب العالم الإسلامى، وأحد أكبر الداعمين للمسلمين وقضاياهم، وحينما تكون بها مراجعات قوية بهذا الشكل ستنتقل بشكل تلقائى إلى كل العالم الإسلامى، وستوفر تلك المراجعات الجادة والحقيقية والواضحة سنين من الجهد الدعوى والمناقشات مع من يصفون أنفسهم بالصحوة الإسلامية، وكأننا لم نكن مسلمين وجاءوا هم بالصحوة المزعومة».
وأضاف «هاشم»: «إننى أبارك وأهنئ وأشدد على يد الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذى جاء عهده بالخير المنتظر فى الشأن الدينى، وقائد التغيير والتطوير وكلمة السر فى التجديد، والأمير محمد بن سلمان ولى العهد، الذى يولى ملف التجديد الدينى والتطوير ومواجهة الإسلام السياسى أهمية بالغة، ويتعامل معها بقوة وعمق لاجتثاث الآثار السلبية التى خلفتها تلك الجماعات على الشأن الدينى والسياسى والأمنى والاجتماعى، فهى جماعات خطيرة ولابد من مواجهتها».
وقال الدكتور محمد أبوهاشم، عميد كلية أصول الدين السابق، إن «توبة الشيخ عائض القرنى أو غيره ممن تصدوا للشأن العام لا يجب أن تقتصر على الاعتذار فقط، وإنما يتبعها إجراءات حقيقية على الأرض، بأن ينشر الفكر المعتدل ويحاول استعادة من أضلهم من الشباب، فقد خرج العديد من الشباب للقتال منذ ثلاثة عقود بسبب فتاواهم المتطرفة عن القتال والجهاد».
"عمر هاشم": مواجهة المملكة لـ"الإسلام السياسى" لها أهمية بالغة لاجتثاث الآثار السلبية لتلك الجماعات دينياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً
وأوضح «أبوهاشم» أن من تورط فى تضليل الشباب ونشر الكتب والفتاوى، التى تبعها الكثير من الناس، يجب أن يسخر حياته لتصحيح المناهج التى أفتى بها، وأن ينشرها بنفس المستوى، وأن يعمل على وصولها إلى أكبر عدد من الشباب كما حدث فى فتاوى التكفير، وتابع: «فتح باب المراجعات أصبح مهماً، وموقف القرنى سيتسبب فى خلخلة مواقف التكفيريين والتنظيمات المتطرفة»، مشيراً إلى أنه يجب العمل على ذلك بالعلم.
وأضاف أن التطرف الفكرى داء عضال أصيب به الكثيرون ممن تعجلوا فى التصدر والحديث فى الشأن العام، وأن الإسلام السياسى سعى لخلق حالة دينية للهيمنة على المؤسسات الدينية والأوطان، وقد فشل بفضل الله ثم بانتباه وإخلاص رجالات الدول الإسلامية وعلى رأسهم مصر والسعودية فى تحقيق أهدافهم.
وقال الدكتور حمدالله الصفتى، رئيس مركز تنفيد الفكر المتطرف بالمنظمة العالمية لخريجى الأزهر، إن «فكرة المراجعة فى حد ذاتها أمر مهم ولن نعدم فائدتها، فإن كان الطرف التائب غير صادق فى توبته كما يظن البعض، فحديثه سيحدث ثراء فكرياً ونقاشاً مهماً، وسيسهم فى تقريب وجهات النظر إن لم يغيرها بالكلية، ولابد للحوار مع العائدين من شروط وهى صدق العزم والجدية فى الرجوع للحق، والخضوع له».
وأضاف «الصفتى» أن «الشخص الراجع فى فكره عليه أن يسعى لتوضيح الحقائق بشكل تفصيلى، وأن يبين للناس خطأه فى جميع الفتاوى والأفكار التى طرحها، فهذه التفاصيل مهمة، لأنه بدونها سيظن البعض أن حديث التائب مجرد تقية ومواربة ومحاولة تستر للخروج من ضغط سياسى أو تلون من التائب لملاءمة وضع جديد، لذا ينبغى التفصيل فى جميع المسائل، وعلى الإعلام تقديم هذه النماذج التائبة للناس بشكل مكثف لنوضح لهم أن يوفروا على أنفسهم السير فى طريق العنف والتشدد، فهؤلاء عائدون واستفيدوا منهم».
وتابع أن «خروج مراجعة من المملكة أمر مهم جداً، لأن الكثير من أصحاب الأفكار المتشددة يعتبرون شيوخها مرجعية فكرية لهم، فالآن الأصل يتغير، ويوضح أننا فى حاجة لتوحيد المرجعيات، فتعدد المرجعيات هو سبب الأزمات فكل جماعة وصحوة لها مرجعية مختلفة، بينما كان المسلمون يعتمدون على مرجعية واحدة هى الأزهر، الذى استوعب بانفتاحه وقبوله للجميع كل العقول والثقافات بلا نكير، ولابد من إعادة توحيد المرجعية الدينية».