نحن أمة تعيش حالة من التناقض فى الحكم على أداء أى مسئول، فنحن إما أن نقدسه حتى يبقى إلى الأبد، أو نترصد له ونطالبه بالإنجاز حتى لو لم يمر على تسلمه للسلطة أيام أو أسابيع!
نسكت على الحاكم، رئيس شركة، رئيس نادٍ، وزير، لاعب كرة، فنان مشهور، ونتغاضى عن الأخطاء ونعطيه الفرصة تلو الفرصة لأننا نتعصب له!
نتعصب له لأنه صعيدى أو لأنه أهلاوى أو لأنه ناصرى أو إخوانى، ونتعصب له لأنه صاحب كاريزما أو عضو فى حزب نعشقه!
وفى ذات الوقت نكره ونرفض بل نغتال أى محاولة إنجاز لمن يتعصب له لأنه ليس صعيدياً أو أهلاوياً أو ناصرياً أو إخوانياً أو ليس منضماً للحزب الذى نراه.
ومنذ ثورة 25 يناير ونحن فى حالة الثنائية الحادة فى الاختيارات: ثورى أو فلول، مدنى أو عسكرى، علمانى أو دينى، مع المجلس الأعلى أو ضده، مع شباب التحرير أو ضدهم، مع الألتراس أو ضدهم، مع مرسى أو شفيق، مع إنجازات مرسى أو ضدها، مع حكومة الدكتور هشام قنديل أو ضدها.
ويصعب جداً أن تجد من يفكر بمنطق بعيد عن الثنائية الحادة، بمعنى أنك مع القرار بصرف النظر عن صاحبه، بحيث إنك تفصل ما بين الشخص والموضوع، فإذا ما كان قرار من تناصره خطأ من وجهة نظرك تعارضه، وإذا كان قرار خصمك السياسى صواباً من وجهة نظرك تؤيده.
القدرة على أن يعلو الإنسان فوق مسألة الأبيض والأسود، والشيطان والملاك، والتقديس واللعنة، هى فى رأيى المتواضع مفتاح النجاة لخروج العقل السياسى المصرى من حالة الاستقطاب والجنون التى أصابته.
خصمى السياسى ليس بالضرورة لصاً أو قاتلاً أو محرضاً أو متآمراً، بل من الممكن أن يكون من خيرة البشر ومن الممكن أن يكون أفضل منى كإنسان وكمفكر.
لقد علمنا التاريخ أن المجتمعات التى لا تعرف كيف تختلف هى مجتمعات بعيدة تماماً عن الوصول إلى حد أدنى من التوافق فى شئون حياتها الأساسية.
لذلك كله يصعب أن نتفق على خارطة طريق سياسية أو مبادئ لتحقيق أهداف الثورة، أو صياغة توافقية لبناء دستور مدنى وعصرى.
إن أقصى جهودنا الآن، وللأسف الشديد، هى إثبات خطأ الغير إلى الحد الذى نصل فيه إلى مستوى متدنٍّ من الاغتيال السياسى لمن يخالفنا الرأى.
وبدلاً من أن نبذل الجهد فى الحوار الإيجابى الذى يؤدى إلى الاستفادة من تباين الأفكار والآراء والحلول بهدف الوصول إلى الأفضل نركز فى فكر الإسقاط وليس فكر البناء!