"المرأة في مجالس إدارات الشركات".. كل الدراسات تؤكد فاعلية التجربة
مشاركة المرأة فى مجالس الإدارات
اتخذت الهيئة العامة للرقابة المالية خلال الفترة الأخيرة قرارين رقمى «123 و124» لسنة 2019، واللذين يتضمنان تعديلاً فى قواعد قيد وشطب الأوراق المالية لضمان تمثيل العنصر النسائى فى مجالس إدارات الشركات المقيد لها أوراق مالية بالبورصة المصرية، وكذلك الشركات العاملة فى مجال الأنشطة المالية غير المصرفية.
وقد تم إدخال تعديل على قواعد القيد باستحداث شرط بالمادة السادسة من قرار المجلس رقم 11 لسنة 2014 بشأن قواعد قيد وشطب الأوراق المالية، يتمثل فى وجوب تمثيل عنصر نسائى بمجلس الإدارة، ويأتى ذلك فى إطار العمل على تحسين ترتيب مركز مصر فى تقرير مناخ الأعمال Doing Business، حيث تقدمت مصر 6 مراكز فى هذا التقرير لعام 2020 الذى يصدره البنك الدولى، بالإضافة إلى تقدمها 19 مركزاً على مستوى العالم، فضلاً عن اتساق هذا القرار مع منهج الهيئة فى تحقيق التنمية المستدامة وتمكين المرأة من التمثيل فى عضوية مجالس إدارات الشركات الخاضعة لها.
وواجه هذا القرار عقب صدوره الهجوم والانتقاد من البعض، حيث تم رفع دعوى قضائية لعرقلة تنفيذ القرار فيما يخص إحدى الشركات المدرجة فى البورصة المصرية، وعدم تنفيذه، إلا أن المنظمات المهتمة بتمكين المرأة ستواجه هذه التطورات وستتحرك لتحفظ حق المرأة فى تمثيلها بمجالس إدارات الشركات.
وكرم منتدى الخمسين سيدة الأكثر تأثيراً الذى أشرف برئاسته، الدكتور محمد عمران رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية خلال فعاليات «قمة مصر للأفضل» التى أقيمت خلال الأيام الماضية، تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، حيث جاء هذا التكريم تأكيداً على دوره فى دعم وتمكين المرأة المصرية وضمان تمثيل العنصر النسائى فى مجالس إدارات الشركات.
ويعد توسيع دور تمثيل المرأة فى مجالس إدارات الشركات والمؤسسات الاقتصادية إحدى السبل الرئيسية لتحقيق العديد من الأهداف الوطنية والدولية ومنها تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 والتى تستهدف تولى المرأة للمناصب الإدارية العليا بنسبة 30% بحلول 2030، إضافة إلى المساهمة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويتفق مع ذلك المؤشرات الإيجابية لإحدى الدراسات فى مصر والتى أجرتها كبرى الجهات الدولية لرصد أثر تمثيل المرأة فى مجالس الإدارة على ما يقرب من 2139 شركة مصرية، تمثل مجموعتين من الشركات الخاصة والشركات العامة المدرجة فى البورصة المصرية.
دراسة محلية: الشركات التى تضم نساءً فى مجالس إداراتها حققت معدلات نمو أكبر بنسبة 2% فى العائد على حقوق المساهمين و4% فى العائد على الأصول
حيث أوضحت تلك المؤشرات أن الشركات ذات التمثيل الأعلى للمرأة تحقق معدلات ربحية أعلى وقوة مالية أفضل خلال فترة الدراسة والتى استمرت من 2014 إلى عام 2016، كما أظهرت الدراسة أن الشركات التى تضم نساءً فى مجالس إداراتها حققت معدلات نمو أكبر بنسبة 2% فى العائد على حقوق المساهمين، و4% فى العائد على الأصول، و5% فى العائد على المبيعات، بالإضافة إلى أن الشركات التى تراعى التنوع بين الرجل والمرأة فى مجالس الإدارة تفضل التمويل عبر الأسهم واعتماداً أقل على الديون.
كما حققت الشركات الخاصة التى لديها تمثيل نسائى فى مجالس الإدارة وقوى عاملة من الجنسين، والتى تعنى «مزيجاً من الجنسين بنسبة لا تقل عن 25% من الإناث» تقدماً ملحوظاً فى مقاييس الربحية، حيث بلغت أكثر من ضعف معدل نمو الأرباح وتحقيق قدرة مالية أكبر، فضلاً عن إظهار الشركات الخاصة نمواً أكبر بنسبة 8% فى العائد على حقوق المساهمين وفى العائد على الأصول، و7% فى العائد على المبيعات.
وبحسب دراسة جديدة لمؤسسة التمويل الدولية فى مارس 2019، والتى تضمنت نسب تمثيل المرأة فى مجالس الإدارات عالمياً فإن المتوسط العالمى قد بلغ 17%، حيث تعتبر دولة السويد رائدة فى هذا الشأن، فنسبتها تتخطى الـ40%، تليها الإمارات بنسبة 20%، و١٦% فى الولايات المتحدة الأمريكية، و١٥% فى بريطانيا، وتنضم مصر لمصاف هذه الدول لتمثل نسبتها 14%، ومن المرشح أن تتحرك هذه النسبة فى ضوء القرار المهم الأخير الذى أصدرته هيئة الرقابة المالية.
كما أوضحت الدراسة الصادرة أن نسبة 20% فى الأسواق المتقدمة لديها تمثيل نسائى فى مجالس إداراتها، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 10% فى الأسواق الناشئة، و2% فقط فى منطقة الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق لا بد أن نتابع بأعين فاحصة التجارب الدولية فى تمكين المرأة فى مجالس الإدارات والنتائج التى أحدثتها بتحول جزء مفقود من المجتمع يمثل عبئاً إلى قوة فاعلة منتجة تؤثر فى الاقتصاد القومى وتساهم فى القرارات المصيرية بالدولة.
السويد تتصدر دول العالم فى سيطرة المرأة على 40% من مجالس إدارات الشركات
وتعتبر تجربة السويد فريدة من نوعها حيث قامت بسن تشريعات تلزم فيها كافة الشركات التى يتم قبول أسهمها فى التداول فى سوق المال بتعيين نسبة إجبارية لا تقل عن 40% من النساء فى مجالس إداراتها، بالإضافة إلى دولة النرويج التى طالبت بزيادة نسبة النساء فى مجالس إدارات الشركات إلى 40% أيضاً.
ومنحت فرنسا أيضاً حكومتها والشركات مهلة لمدة عامين بدءًا من العام الجارى لمحو الفوارق فى مجال الرواتب بين النساء والرجال الذين يملكون نفس المؤهلات العلمية ويشغلون نفس المناصب، كما حققت الشركات العالمية مثل Telekom Deutsche شركة الاتصالات العالمية الألمانية الرائدة نجاحاً كبيراً فى عام 2010 بهدف زيادة عدد النساء فى مجلس إدارتها، وفى عام 2015 أصبح مجلس إدارة المجموعة يضم أكثر من 40% من السيدات.
مصر تتخذ خطوات مهمة نحو محاكاة التجربة
وفيما يخص نسبة مشاركة النساء فى الإدارة العليا فى الشركات، سجلت مصر 7.4% مقارنة مع 5.4% فى الشرق الأوسط، بينما سجلت نسبة الشركات ذات الملكية من النساء فى مصر 16.1%، مقارنة مع 23.3% فى الشرق الأوسط.
كما يتصدر القطاع المصرفى جميع القطاعات من حيث تمثيل المرأة فى مجلس الإدارة بمعدل 11.4%، بالإضافة إلى وجود بنك واحد يضم أكثر من 30% عنصراً نسائياً ضمن مجلس الإدارة، وباعتبار أن القطاع المصرفى المصرى أحد أهم وأنجح القطاعات الاقتصادية فى مصر فهذا يدلل بشكل مباشر على نجاح فكرة تمثيل المرأة بمجالس الإدارات.
ومن هنا أرى أن المرأة فسيولوجياً لديها قدرة على الصبر وتحمّل الظروف القاسية والابتكار تحت الضغوط، بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على تقديم العطاء غير المشروط بتلقى العائد، حيث اعتادت المرأة على القيام بالكثير من مهام العمل غير مدفوع الأجر كالتسوق ورعاية الأطفال وأعمال رعاية الأسرة الأخرى، الأمر الذى يدعم من دورها فى مجالس الإدارة ويعزز من قدرتها على العطاء والنظرة بعيدة المدى.
كما سيدفع وجود المرأة بمجالس الإدارات إلى تنوع الخبرات والمعرفة ووجهات النظر والأفكار الجديدة، والتفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول إبداعية، كما أنها تمتلك قدرة على إدارة الأزمات بشكل جيد، بالإضافة إلى تمكنها من اتخاذ قرارات سليمة من تلقاء نفسها.
مواصفات المرأة تؤهلها لتأدية دور مهم فى تعزيز الابتكار والتفكير خارج الصندوق بمجالس إدارات الشركات التى توجد فيها
ونعود لحسابات الأرقام لنتحدث عن السيدات التكنوقراط اللاتى يمثلن المصدر الأول للسيدات الموجودات فى مجالس إدارات الشركات، تمتلك مصر منهن نحو 28% فقط من إجمالى الإناث على المستوى المحلى، وهى أقل من المتوسط العالمى البالغ 29% وبالرغم من ذلك إلا أن هذه النسبة لا تزال أقل من نقطة التحول البالغة 30%.
وتصل نسبة النساء العاملات داخل الجهاز الإدارى للدولة نحو 43% من إجمالى عدد الموظفين، ومنهن نسبة كبيرة قادرة على التحول إلى قيادات بارزة فى مؤسساتهن، وهذا يؤكد ويشير إلى توافر الموارد البشرية النسائية المتميزة فى مصر والتى تستطيع صناعة الفارق فى المرحلة المقبلة.
أما النقطة التى مازالت بحاجة إلى دعم فى هذا الملف، فهى توسيع دور المرأة ومساهمتها فى قاعدة العمل الرئيسية للاقتصاد أو ما يطلق عليها قوة العمل، حيث بلغت نسبة مساهمة المرأة فى قوة العمل 23.8% من إجمالى قوة العمل، كما بلغ معدل البطالة بين الإناث 19.6%.
وبالنظر إلى هيكل البطالة بين الإناث من حيث المستوى التعليمى، سنجد أن معدل البطالة بين الأميّات يقدر بـ1.5% وترتفع إلى 2.4% للحاصلات على مؤهل أقل من المتوسط ويستمر المعدل فى الانخفاض للحاصلات على الثانوية العامة أو الثانوية الأزهرية ليصل إلى 0.4%.
ومع ارتفاع مستوى التعليم للوصول إلى فئة الحاصلات على مؤهل متوسط فنى فيرتفع معدل البطالة ليسجل حوالى 48.1%، ومع الانتقال لفئة الحاصلات على مؤهل فوق المتوسط وأقل من الجامعى فينخفض معدل البطالة إلى 5.2%.
وتؤكد هذه المؤشرات أنه فى حالة تطور المؤهل التعليمى ليصل إلى فئة الحاصلات على مؤهل جامعى وفوق الجامعى «الماجستير - الدكتوراه» فيصل معدل البطالة إلى 40.1%، فى حين أن نسبة الحاصلات من الإناث على مؤهل تعليمى عالٍ فتبلغ حوالى 21.4%، ومن وجهة نظرى أجد أن معدلات البطالة ترتفع فى مصر مع ارتفاع المستوى التعليمى وبالتالى من الضرورى أن تتجه الدولة نحو توفير المزيد من فرص العمل والتوسع فى مساحة الوظائف المطلوبة لهؤلاء الخريجات، حيث إن هذه الفئة هن اللاتى يقدرن على صناعة الفارق بتعليم وتدريب الأخريات وتأهيلهن للحصول على مناصب مرموقة بالدولة سواء على مستوى الجهاز الإدارى للدولة أو القطاعين العام والخاص.
فى النهاية أرى أن الظواهر المحيطة تؤكد قدرات المرأة المصرية على تولى جميع المهام التى توكل إليها وأن مسألة الحرص على توسيع دورها فى مجالس إدارات الشركات والهيئات بمثابة مهمة رئيسية لا بد أن تهتم بها الدولة خلال المرحلة المقبلة، كما أن كافة القرارات التى يتم اتخاذها تعد خطوة مهمة وجديدة على طريق تمكين المرأة المصرية، وتنفيذاً للاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، المنبثقة من أهداف التنمية المستدامة.
وأتمنى أن نرى خلال الفترة المقبلة العديد من القرارات لإزالة الحواجز التى تعوق وصول المرأة لقيادة المناصب العليا سواء على الصعيد العالمى أو المستوى المحلى، بالإضافة إلى تفعيل العديد من المبادرات التى تقودها منظمات المرأة بهدف دعم سبل الابتكار والإبداع فى سوق العمل بمجالاته المختلفة.
تقرير للبنك الدولى يوضح موقف مصر فى دعم المرأة
أصدر البنك الدولى تقريراً بعنوان «المرأة وأنشطة العمل والقانون 2020»، والذى أوضح أن النساء لا يتمتعن إلا بثلاثة أرباع الحقوق القانونية للرجال عالمياً، حيث يقيس هذا المؤشر مدى تأثير القوانين واللوائح على الفرص الاقتصادية للمرأة فى 190 اقتصاداً.
ويحلل المؤشر الحقوق الاقتصادية أثناء مراحل مختلفة ومهمة من حياة المرأة العاملة، من خلال ثمانية مؤشرات، يتمثل أبرزها فى القوانين التى تؤثر على قرارات المرأة للدخول إلى القوى العاملة والبقاء فيها والتى حققت مصر فيه 75% مقارنة بالمتوسط العالمى 78.5%، فضلاً عن مؤشر القيود التى تواجهها النساء عند بدء عملهن الخاص والذى حصلنا فيه على تقييم 75% مقابل 82.8% عالمياً، ومؤشر قياس القوانين واللوائح المتعلقة بالقيود الوظيفية والفجوة فى الأجور بين الجنسين والذى لم تحصل فيه مصر على أى تصنيف يضمن إلزام الشركات بالمساواة فى الأجور بين الرجل والمرأة، وذلك فى الوقت الذى توضح فيه منظمة العمل الدولية أنه إذا ما حصلت النساء على نفس دخل الرجال يمكن أن تزداد الثروة العالمية بمقدار 160 تريليون دولار. وتضمن التقرير أيضاً مؤشراً يُقيّم القوانين التى تؤثر على عمل المرأة بعد إنجابها، وحصلت مصر فى هذا التقييم على 20% مقابل متوسط عالمى 53.9%، بالإضافة إلى تقييم القيود المفروضة على حرية حركة المرأة بما يؤهلها للوصول إلى أماكن العمل فى أى مكان بالجمهورية، وحصلت مصر فى هذا التقييم على 50% مقارنة بـ87.2% عالمياً.