ظهر الداعية السلفى الوهابى «أبوإسحاق الحوينى» فى فيديو يعترف فيه بأنه: (أفسد كثيراً من الشباب، وجنى على الناس بحماسه، وكان متسرعاً يحب الشهرة، واعترف أنه لا يعرف أن الأحكام الشرعية درجات، كله عنده درجة واحدة حرام وواجب)، واختلف أتباعُه فى هذا، فقالوا تراجع، وعدوها مزية تحسب له، والبعض من أتباعه رآه لم يتراجع.
وفى كل الأحوال فهو لم يتراجع عن منهجه العقدى ومنهجه العلمى الذى سار فيه على نهج الشيخ «ناصر الألبانى»، وهو كواحد من أتباع هذا التيار السلفى الوهابى جنوا على الأمة، وبثوا بينها ثقافة أن كل مُحْدَثٍ جديد لم يفعله النبى -صلى الله عليه وسلم- هو بدعة وضلالة، مع أن كبار المحدِّثين يكادون يكونون مُطبقين على انقسام البدعة إلى حسنة وسيئة، وبثوا بين الناس والأمة أن أكثرها مشرك مبتدع، وفى حاجة لتعلم العقيدة!!
إن اعتراف الداعية الوهابى بحماسه يؤكد أنه تعجل الثمرة، وأن المسائل والأطروحات والأفكار التى يقول بها هو وتياره لم تكن معروضة على مائدة البحث العلمى، والتحرير المعرفى الدقيق، وأن فتاواه هو وأتباعه ليس لها أصول سليمة تنتسب إليها، ولا تأصيلات ترجع إليها، وهذا كله أحدث وقائع ملتبسة، وعجز عن هضم الواقع، وجعل العواطف والحماس الطائش هو المحرك للأفكار، ورفض الأزهر ومنهجه، فغابت عنه أدوات الفهم، واستدعى آيات وأحاديث فى غير موضعها، ودون معايير واضحة، ومنهج منضبط، فتحدث الفتنة، فهل توجد آفة أخطر من كل ذلك؟
ومثل هذا حذر منه الشيخ الشعراوى حسنَ البنا وجماعة الإخوان، حين قال للبنا: الأولى أن يبدأ الإنسان فى تطبيق منهج الإسلام فى نفسه، ثم فى بيته. فقال البنا: إن هذا الاقتراح لو مشينا عليه يحتاج إلى وقت طويل جداً، وينتهى بنا الزمن ولن نحقق شيئاً، فقال له الشعراوى: إن الاستمرار فى هذا النهج سيؤدى إلى إراقة الدماء (هذه الشهادة سمعها من لسان الشعراوى الكاتب السعودى سهيل بن حسن قاضى فى منزل والده حسن قاضى، ونشرها فى مقال بجريدة المدينة). أيضاً فإن الشيخ الباقورى: قال فى كتابه (الباقورى ثائر تحت العمامة): «كان إقبال الشباب على الإخوان إقبالاً لا نظير له، ولكن دائماً الشباب يستعجل الأمور، ويؤثر الوقوف موقف التضحية أكثر مما يؤثر الوقوف فى موقف الحجة والأناة والصبر».
إنها مناهج تختلف أسماؤها، لكن يجمع بينها أن فكرهم يخاطب الحماس والعواطف، وإن المتابع للفتاوى النشاز التى صدرت من «الحوينى» وتياره، كتبديع العقيدة الأشعرية التى عليها الأزهر الشريف، وأن لهم بدعاً كثيرة، نفثوها فى الأمة المسلمة»، وكالخلط بين الأصول والفروع، والقطعى والظنى، وتبديع المخالف المسلم، وقولهم إن العلاقة بين المسلم وغير المسلم علاقة حرب، وما إلى ذلك، المتابع لكل ذلك يُدرك ما تموج به أفكار وفتاوى هذا التيار من حماس جارف يحترق به صاحبه، ويحرق به غيره من الشباب، ويظل ليل نهار يصطلى بنيران الحماس المؤلم، فتتولد من وراء ذلك طريقة غريبة لم تكن مألوفة من قبل، لها عدد من السمات، منها الحماس الأهوج، وحب الشهرة، والاستعلاء بوجود أتباع غلب عليهم الحماس الأهوج الذى يغلى فى عروقهم، ويدفعهم لاقتراح إجراءات عاجلة لخدمة الإسلام، ثم يكتشفون بعد مرور سنوات أنها غير مدروسة ولا متقنة ولا جارية على سنن الشرع ومسالكه ومقاصده، ولا يبقى لهم صبر على تأمل مآلات الأمور وعواقبها، فيحدث الانبهار والاضطراب وخلق مرجعيات بديلة، وصناعة دين موازٍ، والله المستعان.