ولما كان الندم والاعتذار والتوبة يا شيخ: مثلها مثل الدية فى القتل الخطأ مقبولة عند البسطاء والمماليك، فهى مرفوضة ومستهجنة فى القتل الخطأ وفى العمد عند الأسياد والأحرار والحرائر، واعتذارك وأمثالك مرفوض ومردود عليكم، فلا دية لضحاياك حتى لو كانت ملياراتك وقصورك وسياراتك، ولا يستوجب الأمر إلا القصاص منكم، فالتحريض على القتل فعل القاتل الأصلى، وقد ثبت تحريضكم للشباب الأخضر اليافع، بخطابات التزكية الممهورة بتوقيعكم وأختامكم للمقاتلين المسافرين إلى داعش التى لم تقبل أحداً من المصريين بغيرها، صدقوا وآمنوا ووثقوا فى علمكم وقتلوا وفجروا وأحرقوا وماتوا كما أمرتم، ولا نقول لكم جميعاً إلا ما قاله موسى لبنى إسرائيل «فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ»، هذا وإن كان عندكم بقية من خجل أو لون من حمرته، وهذا مستبعد عن جلود أكلها الصدأ، وقلوب غلفها الغل، وعقول طواها الجهل، وصدور ملأها الحمق، أو تواروا عن عيوننا، واستتروا إذا ابتليتم، وإنا جميعاً وقتلاكم إلى ربنا لمنقلبون.
يا أيها الشيخ الحوينى أو حجازى أو أبوإسحاق لا أدرى: ألم تكن تعرف تدرج الأحكام الشرعية؟ ولم تعرف الفرق بين السنة الواجبة والسنة المستحبة؟ وهما ألف باء الدعوة، حين صدعتم رؤوسنا عن حكمة الشرع فى تدرج تحريم الخمر، وعن الفرق بين الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد، وقطعى الدلالة وظنى الثبوت، وهى المعلومات البسيطة التى يقابلها طالب الأزهر فى طابور الصباح، فبأى معلومات وأى علم وقفت تدعو الناس وتعلمهم؟ الصغير قبل الكبير يعرف أن العمل بالأحاديث الضعيفة قد أجازه البعض فى فضائل الأعمال، من غير العقائد والأحكام، ومنهم من رفض العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً حتى فى فضائل الأعمال، لأن الحديث الضعيف لم يثبت نسبته للرسول لوجود علة فى سنده أو فى متنه، وحرضتم على قتل المرتد بحديث «من بدل دينه فاقتلوه» وهو حديث محل خلاف، ومجتزأ، و لا يعرف متى قاله الرسول، وعلى إطلاقه، ومتناقض مع القرآن، حتى لو اعتبره الفقهاء حديثاً صحيحاً، فهم بشر يصيبون ويخطئون كما يصيب ويخطئ الرواة، وهو حديث سياسى بامتياز، فلا ثقة فيما رواه بن عباس عن على بن أبى طالب لما كان بينهما، وهل من ترك دينه «أى دين» على إطلاقه كما جاء؟ ولو كان حداً صريحاً لماذا لم يذكره ربنا فى القرآن الكريم مدة الدعوة والوحى، وجاء بما هو أقل منه، قطع يد السارق، وحد الجلد للزانى والزانية المحصن وغير المحصن، وجلد رامى المحصنات من النساء؟، فكيف يذكر ربنا حد الجلد ويترك حد القتل؟ وإن كان حداً لماذا تنازل الرسول عنه فى صلح الحديبية حين قبل رجوع المرتد عن الإسلام إلى مكة آمناً سالماً؟ وهل للرسول الحق فى التنازل عن حد من حدود الله، وهو القائل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها؟ وأبحت الغزو وسبى النساء ونهب الأموال وبيع الأسرى فى سوق النخاسة لفك أزمة المسلمين وأكلهم وشرابهم، لا فرق بينهم وبين قطاع الطرق، هل هذا من عند الله أم عند أجدادك وأسلافك؟
أيها الشيخ لا تندم مرة واحدة، بل اندم ملايين المرات، بعدد من حرضت على قتلهم، واستح ما شئت على قدر ما أسأت للإسلام أنت وأسلافك الذين أباحوا الغزو والسبى وبيع خلق الله وقبض الثمن والأكل والشرب من عرق الغير، وصف أخطاءك بالقبح فما زالت جمالاً فى عيون تلاميذك، يرددونها فى دروسهم، فلن يصل القبح هذا إليهم يوماً، أما أن تقول دعك من الناس، فهؤلاء هم ضحاياك وإلا لمن تعتذر؟ فإن الله يغفر هفوات العباد فى شأنه، ولا يتنازل عن حقوق العباد، حقوق العباد مقدمة على حقوق الله، هذا قولكم جميعاً.
يا شيخ: إذا كنت تنصح طلبة العلم الصغار من الدعاة بالتمهل حتى ينضج «ويستوى» ولا يتعجل الشهرة، فانصح بها ابنك أولاً الذى تطاول على دار الإفتاء، حين اعتبرت ختان الإناث حراماً، ووصف القائل «بالجاهل لم يقرأ كتاباً فى الفقه، ودعاة للباطل» فلا يندم كما ندمت، وألا يستعجل الشهرة كأبيه، إلا إذا كانت النصيحة للأبناء ليست كبقية خلق الله، فتنصحون الشباب بالسفر إلى ميادين الجهاد ليموتوا، وتنصحون أولادكم بجمع الأموال والاستمتاع بمباهج الحياة فيسعدوا ويعيشوا.
لا مرحباً بعودة مشايخ التقية، ولا ندم للمكره، ولا أسف للذين قبضوا الثمن ثم جفت ينابيع الخير عنهم، ولا تصديق لمن شدوا أذنهم ليخرجوا على الناس آسفين ومعتذرين، وتركوا تلاميذهم يعيثون فى الأرض فساداً، ولن تسامح الثكالى واليتامى والمكلومون والمصابون والعجزة أحداً منكم، ولن نرضى سوى بمحاكمة من ضلل وحرض، محاكمة القاتل الأصلى، يوماً ما ستقفون أمام الله وكل هؤلاء يسألون القصاص العادل، ورد المظالم لأهلها «فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ».