هل هناك فروق تذكر بين اليمين المتطرف فى الغرب واليمين المتطرف فى الشرق؟ بالطبع هناك فروق عدة فيما يختص بمحتوى عقيدة التطرف، فاليمين الأول يؤمن بفوقية الجنس الأبيض ويناصب المسلمين والأجانب العداء. هذا اليمين يرى أن العالم سيكون مكاناً أفضل بكثير فى حال تم تفريغه من محتواه غير الأبيض، لا سيما المسلمين. والمعروف أن هذا اليمين وجه دفة فوقيته وكراهيته فى السنوات القليلة الماضية تجاه المسلمين أكثر من غيرهم من سود وأجانب غير مسلمين، بعد ما زادت وتسارعت وتيرة الهجرة واللجوء إلى الغرب من قبل مسلمين.
أما اليمين الثانى، فيؤمن بفوقية كل من خرج إلى الدنيا ليجد نفسه مسلماً. هذا الفريق يناصب كل من هو غير مسلم العداء، ومنه من يعتنق العنف -الذى يدعوه جهاداً- فى سبيل تنقية العالم وتطهيره من الشوائب من غير المسلمين. هؤلاء يرون أن مهمتهم هى تغليب كفة المسلمين على غيرهم من أبناء الكوكب، ويصل الأمر ببعضهم إلى درجة الترويج لذبح وقتل الآخر من أجل نقاء الكوكب.
ولعل أحد الفروق القليلة بين اليمينين أيضاً أن الأخير يضع متعة الآخرة نصب عينيه، حيث طموح التمتع بما حرِم منه فى الحياة الدنيا بفعل نسخته من التفسير الدينى. ممارسة الجنس دون حدود مع فتيات لا أول لهن أو آخر دون تأنيب ضمير أخلاقى، راحة من العمل والمشقة، ملابس أنيقة ومهندمة إلى آخر القائمة التى تحفل بها مواقع مخصصة للتفسير وموجهة لليمين الثانى المتطرف.
الغريب أن حوادث اليمين الأول تقيم الدنيا لدينا ولا تقعدها. نفسرها أنها ناجمة عن الخوف غير المبرر من الإسلام، واضطهاد المسلمين غير المفهوم، واعتبار الإسلام دين عنف يتبعه أشخاص لا ينتهجون سوى العنف. ونحن نعلم والجميع يعلم أن المسلمين شأنهم شأن أتباع الأديان الأخرى منهم الوسطى ومنهم المتطرف ومنهم المنتمى لدين ما على الورق فقط، ومنهم من ليس حشرياً فيهمه إيمانه دون شرط التدخل فى إيمان الآخرين وتصويب مسارهم. لكن الواقع هو أن الصورة الكبيرة الواضحة والصريحة والمسيطرة على الساحة، لا سيما فى السنوات القليلة الماضية، هى صورة الإسلام المتطرف والغارق فى التشدد، والمسلمين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الحق وحدهم والآخرين كلهم سيشوون حتماً فى نار جهنم لسبب واحد لا ثانى له، ألا وهو أنهم لم يتركوا أديانهم ويهرعوا لاعتناق الإسلام.
والحادث الأخير الذى تم ارتكابه فى مدينة هاناو فى ألمانيا على يد شخص ينتمى لليمين الأول، فقتل نحو تسعة أشخاص فى مقهيين للشيشة، أغلب روادهما من الأكراد، أغضب كل من يرفض العنف والكراهية. وهو بالطبع أغضب كذلك المسلمين فى جميع أنحاء العالم، على اعتبار أن القاتل استهدف المكان لأغراض تتعلق بكراهية الأجانب أو المسلمين أو كليهما. وليت مثل هذا الحادث من حوادث التطرف والكراهية ورفض الآخر بناء على المعتقد أو اللون أو العرق يدفعنا إلى مراجعة أنفسنا كذلك. وليكن أيضاً فرصة لمراجعة ثقافتنا الغارقة فى اعتبار الآخر، إن لم يكن كافراً بالضرورة ومطروداً من الجنة التى سنسيطر عليها دون أدنى شك، فهو بالطبع درجة أقل منا لأننا مسلمون وكفى.
ويكفى أننا لو جمعنا عينة من أنصار اليمينين فى غرفة واحدة ودفعناهم إلى الحديث بلغة واحدة عن قيمهم وقواعدهم فأغلب الظن أنهم سيكونون متطابقين فى الرؤى المتحجرة، والفوقية البالغة، والميل إلى انتهاج العنف بدرجاته، وضيق الأفق، بحيث يعجز الشخص عن فهم أو رؤية أو تقدير أى اختلاف. كلاهما فاقد الثقة فى نفسه وفيما يؤمن به، فالواثق لا يضطر إلى العصبية والحنجورية والعنف والقتل. والواثق يشع تسامحاً تجاه الآخرين ومشاعر طيبة تجاههم، فلا يدعو لمرضاه فقط بالشفاء، وموتاه فقط بالرحمة، وأبنائه فقط بالنجاح. كما أنه لا يدعو على الآخر بالعذاب ولنفسه بالرحمة، ويتمنى للآخر الفقر والعوز والذل ولنفسه الثراء والرفاه وعزة النفس. والواثق يعرف أن مصيره وعلاقته بالخالق لا تتوقف على عقيدة الآخرين ومدى نجاحه فى دفعهم بالذوق أو بالعافية للإيمان بما يؤمن به. يعنيه فقط أن يكون راضياً عن إيمانه دون دس أنفه فى معتقد الآخرين، لا بتغيير العقيدة ولا بالقتل ولا حتى بالازدراء.
والمؤكد أن تجديد أو تحديث أو تطهير الخطاب الدينى كان يفترض أن يعالج شعور البعض من المسلمين بالفوقية لمجرد أنهم ولدوا مسلمين، والقناعة التى تربوا عليها على اعتبار أنهم فقط المؤمنون المقربون من الله سبحانه وتعالى. كان يفترض أن يداوى التجديد والتطهير أمراض العقود الماضية من إغراق الدين فى خرافات لا علاقة لها بالدين السمح، لدرجة جعلتها تطغى على قلب الدين.
وحين تطغى الخرافة على الأصل، يظهر اليمين بأنواعه، منه ما هو غربى متطرف ومنه ما هو إسلامى متشدد.