كشفت الضجة التى أثارها اعتذار الشيخ أبوإسحاق الحوينى مؤخراً عن حالة يمكن تسميتها (الاشتياق إلى الاعتذار)، والمعنى أن هذا المجتمع صار أكثر وعياً بالجرائم التى تم ارتكابها فى حقه طوال الأربعين عاماً الماضية من قِبل التيار السلفى.
وحتى نكون واضحين، فنحن نتحدث عن تيار غير مصرى، تم زرعه فى البيئة المصرية، وعلى سبيل المثال، يروى د. عبدالمنعم أبوالفتوح فى شهادته على تأسيس الجماعة الإسلامية التالى: (كان اتحاد الطلاب تحت سيطرة الإسلاميين يمول الآلاف من رحلات الحج والعمرة شبه المجانية سنوياً، كانت الرحلة الواحدة تكلف الطالب خمسة وعشرين جنيهاً فقط، وكان بعض الطلاب يتخلّفون عن العودة، ويبقون فى السعودية، ويعودون إلى مصر دعاة سلفيين)، ما لم يقله مؤسس الجماعة الإسلامية، إن هؤلاء الطلاب لم يكونوا يعودون بأيديهم فارغة، كانوا يعودون بتمويل وفير جداً، يحول كلاً منهم من طالب إلى ظاهرة دعوية، يبنى مسجداً، ومستشفى، وجمعية خيرية تمنح رواتب للفقراء، ويطبع مئات الآلاف من شرائط الكاسيت المجانية، التى يسمعها البسطاء فيخافون، وينبهرون، ويزدادون التصاقاً بهذا الشيخ، الذى يملك وحده أن يجنّبهم كل هذه الويلات التى تحدث عنها فى خطابه.
من هذا الجيل الذى تحدث عنه «أبوالفتوح» كان أبوإسحاق الحوينى، ومحمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، الذين أصبحوا أشهر دعاة السلفية الشعبيين. تخصّص أبوإسحاق الحوينى فى علم الحديث، وظل لسنوات طويلة يفاجئنا بآراء غريبة لا يمكن أن تصدر من عالم حقيقى، فهو تارة يتحدث عن أن غزو المسلمين لغيرهم يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية للمسلمين، عن طريق بيع سبايا الأعداء فى السوق والحصول على أثمانهم، وهو ما طبّقه «داعش» حرفياً فى التوقيت نفسه تقريباً، دون الدخول فى تفاصيل كثيرة مخجلة، فإن أبسط ما يمكن أن نصف به السلفيين مع الرأفة، أنهم كانوا عملاء ثقافيين لقوى غير مصرية استخدمتهم لنشر الوهابية، تنفيذاً لطلب من الصديق الأمريكى وقتها.
نشر السلفيون قيم العنصرية، والكراهية، والإساءة للأقليات، واضطهاد الضعفاء، قال أبوإسحاق الحوينى إن وجه المرأة كفرجها يجب تغطيته، فانتشر النقاب، وما زال ينتشر حتى الآن انتشاراً مريباً وسرطانياً. أساءت فتاوى السلفيين للمرأة العاملة والمكافحة، وقالوا إن المرأة مكانها البيت، أساءوا إلى الأقباط ونشروا الفتن الطائفية بشكل لم تعرفه مصر قبل أن يظهروا بلحاهم الكثة ومظاهرهم الغليظة، أساءوا إلى الصوفية والشيعة، وكفّروهم، حرّموا الفن، ومشاهدة التليفزيون، وأهالوا التراب على الحضارة المصرية القديمة.
كانت فلسفتهم تقوم على الانتقاص من كل من ليس ذكراً مسلماً سنياً، فإذا كنتِ امرأة فأنتِ فى نظرهم ناقصة عقل ودين، وإذا كنتَ قبطياً فأنتَ فى نظرهم ذمى كافر، وإذا كنت صوفياً فأنت مبتدع خارج عن الملة.
كل هذا لم يعتذر عنه السلفيون، ولن يعتذروا عنه إلا إذا كانت لدينا القدرة على محاكمتهم محاكمة أدبية وحضارية أولاً بدلاً من تمنى الاعتذار الذى لم يحدث، لم يعتذر الحوينى ولا حسان، ولا يعقوب عما فعلوه، الأولى أن نحاكمهم أولاً على جرائمهم، ليكون الاعتذار هو الخطوة التالية للمحاكمة، لا السابقة لها.