هيئة الرقابة الإدارية تبذل جهوداً كبيرة فى مكافحة الفساد، ويومياً يتم ضبط فاسدين متلبسين بتقاضى رشوة نظير القيام بأعمال غير مشروعة والإضرار بالمال العام أو تسهيل الاستيلاء عليه.
أعضاء الرقابة الإدارية على مستوى الجمهورية عددهم نحو خمسمائة عضو وتقع على عاتقهم مهام كثيرة، ليست فقط فى مكافحة الفساد المالى والإدارى، ولكن أيضاً متابعة المشروعات القومية وحل مشكلات المستثمرين وضبط الأسواق ومراقبة الأسعار ومراجعة تراخيص المبانى وإزالة المخالفات واستعادة الأراضى المنهوبة والتفتيش على المستشفيات وغيرها من التكليفات الموكلة إليها من رئيس الجمهورية.
الرقابة تقوم بمكافحة الفساد وضبط المتهمين أثناء ارتكاب الجريمة، كما تحاول منع وقوعها من خلال الوقاية منها، وهذا أفضل بكثير من علاجها، فكما يقولون الوقاية أفضل من العلاج، بل وأرخص أيضاً.
نحتاج إلى تكثيف الجهود فى اتجاه الوقاية من الفساد، وهذا ممكن لأنه هش وسهل القضاء عليه رغم أنه ضارب بجذوره فى معظم مؤسسات الدولة وتحول من فساد الإدارة إلى منظومة لإدارة الفساد، ولكن لدينا حالياً إرادة حقيقية لمكافحته ويجب استغلالها للوقاية منه ومنع حدوثه من الأصل والقضاء على الأسباب التى تؤدى إليه من خلال منظومة حوكمة صارمة مع تحسين الأجور بالإضافة إلى التحول الرقمى والإلكترونى الذى يمنع التعامل المباشر بين طالب الخدمة ومقدمها.
محاربة الفساد تتطلب التوسع فى تعريفه، فهو ليس فقط الاستيلاء على المال أو تسهيل الاستيلاء عليه أو التربح من الوظيفة بطريقة غير شرعية، ولكن أيضاً الفساد هو عدم الإتقان فى العمل، ومقاومة التطوير والتغيير، وعدم متابعة المشروعات، وإهمال صيانتها، وتقاضى أرباح وحوافز من مؤسسات خاسرة وفاشلة. الفساد هو سفر المسئولين للخارج بدون فائدة على البلد وعدم الإبداع والتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول لمشكلاتنا وتعطيل مصالح المواطنين.
الفساد هو تدمير الصناعة الوطنية لصالح الاستيراد والتوسع فى الاقتراض على حساب الإنتاج وإعاقة الاستثمار ومحاربة المستثمرين وتدمير الكفاءات وعدم الاستفادة منها وهروبها خارج البلاد.
الفساد هو الاحتكار وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وسوء استغلال مرافق الدولة وتعطيلها لصالح القطاع الخاص كما يحدث فى المستشفيات والمدارس الحكومية.
أما أخطر أنواع الفساد فهو سوء اختيار القيادات، وهذا هو مربط الفرس لأن القيادات الفاشلة تتسبب فى انتشار الفساد وإهدار المال العام وتدهور الخدمات وزيادة الفقر والمرض والجريمة والبطالة، بل إن سوء الاختيار قد يؤدى إلى انهيار المؤسسات بالكامل، أما حسن الاختيار فهو نصف النجاح، فالقيادة الكفء تختار الأكفاء حتى ترتقى بمؤسساتها، أما القيادة السيئة فتجمع حولها الفاشلين الضعفاء وتستبعد المتميزين.
حسن اختيار القيادات هو بمثابة الوقاية من الفساد ومنع حدوثه واجتثاثه من جذوره وأرخص من علاجه بعد وقوع الجريمة.
الرقابة الإدارية لديها مشروع بنك القيادات، وهو حصر لكل الكفاءات، ومصر لا تنقصها الكوادر فى القطاعين العام والخاص فى داخل البلاد وخارجها، والاهتمام بهذا الملف هو علاج للمرض وليس للعرَض، لأسبابه وليس لنتائجه، فالوقاية دائماً أفضل وأرخص من العلاج، والله الموفق والمستعان، وتحيا مصر.