القرار الذى اتخذه هانى شاكر نقيب المهن الموسيقية بمنع ظهور مطربى المهرجانات يبقى فى حاجة إلى نقاش ويثير من الأسئلة بأكثر مما يوحى بإجابات، ولعل من أهم هذه الأسئلة.. هل درسنا ظاهرة المهرجانات التى أثارت كل هذه الضجة قبل أن نحدّد موقفنا منها؟ وهل يكون بالمنع أو بالإجازة؟ وهل تؤدى أقسام الاجتماع ومراكز البحوث الاجتماعية لدينا أدوارها المنوطة بها، أم أنها باتت فى حالة من القصور والانفصال عن الواقع لا تسمح لها بدراسة الظواهر الطارئة على حياتنا؟ وما علاقة انتشار الاستماع إلى أغانى المهرجانات بين شرائح الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا بأزمة هذه الطبقة نفسها وعجزها عن إنتاج فنون تعبّر عنها ويرتقى من خلالها الذوق العام؟ بمعنى أن هذه الطبقة باتت عاجزة عن القيادة، وسلمت القياد للطبقات الشعبية، ولعل هذا ناتج فى أحد مستوياته عن اتساع الطبقة الوسطى نفسها، واتساعها على مدار العقود الماضية، لتشمل شرائح وفئات شعبية فرضت ملامحها على الطبقة الوسطى.
إن أحد تجليات ظاهرة المهرجانات نفسها أنها انعكاس لما يمكن تسميته بديمقراطية المعرفة أو شعبية المعرفة، حيث موسيقى المهرجانات نفسها نتيجة لاستخدام برامج الكمبيوتر فى معالجة النغمات والألحان، وحيث إن وسائل التواصل الاجتماعى مثل «يوتيوب» و«ساوند كلاود» هى الوسيلة الأولى التى يستخدمها مطربو المهرجانات فى الوصول إلى جمهورهم، لذلك لم يكن غريباً أن يظهر مغنى مهرجانات غير متعلم، مثل «حمو بيكا»، معرفة بوسائل التواصل الاجتماعى، وبالكلمات الأجنبية المرتبطة بها، والتى دخلت اللغة العربية، والتى ينطقها بطريقته ليثير سخرية البعض دون التوقف لفهم ما يحدث ودلالاته.
لقد كان اقتناء جهاز كمبيوتر حتى عام ٢٠٠٥، إحدى علامات التعليم الجيد والذكاء والانتماء إلى شريحة مميزة فى الطبقة الوسطى، وكان يستدعى نوعاً معيناً من الثقافة، لكن كل هذا لم يعد موجوداً الآن.. حيث أصبح بإمكان الجميع أن يتعامل مع الكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعى، حيث فقد الكمبيوتر التعقيد الذى كان يتسم به فى ظهوره الأول، وبات الأمر سهلاً للجميع، إذا أضفنا إلى ذلك أعمار مطربى المهرجانات، التى تتراوح حول النصف الأول من العشرينات، سنجد أن هؤلاء كانوا فى سنوات المراهقة والطفولة حين قامت ثورة يناير ٢٠١١ وما تبعها من غياب لفكرة الدولة والسلطة المركزية وعام حكم الإخوان، والجهود التى بذلتها مصر لاستعادة الاستقرار وحماية الدولة من الضياع، وبشكل أو بآخر فإن مطربى المهرجانات أبناء سنوات صعبة.
ينطبق الأمر نفسه على الممثل والمؤدى الظاهرة محمد رمضان، الذى عرف طريقه للنجومية فى العام التالى مباشرة لثورة يناير ٢٠١١، حين قدم فى فيلمه «عبده موتة» نموذجاً لبلطجى صغير السن الذى يفرض قانونه الخاص على المجتمع فى وقت غابت فيه السلطة المركزية، وكاد مفهوم الدولة أن يغيب. محمد رمضان أيضاً ابن التطورات التقنية والانفتاح على العالم رغم تعليمه التقليدى والفقير.. ومن خلال المشاهدة عبر «يوتيوب»، اقتبس نوعاً من أنواع الأداء الغنائى، الذى يكون فيه الجسد عنصراً أساسياً من عناصر العرض، وكانت المفاجأة أنه حقق نسب مشاهدة عالية جداً عبر «يوتيوب» جعلته المؤدى الأعلى سعراً، كما صرح متفاخراً.
مرة أخرى نحن إزاء ظاهرة لعب الظرف السياسى والتطورات المعرفية دوراً فى إنضاجها وظهورها بالشكل الذى ظهرت عليه.. هذه الظواهر تحتاج إلى دراسة وتحليل، ومعالجة واعية بالتطورات، وتحتاج إلى الدخول فى حالة تفاوض معها كى تندمج مع المجتمع فى مقابل الحصول على موافقة مؤسساته، أما المنع والإدانة، وإلقاء الاتهامات دون فهم فهو وسيلة بائسة لعلها آخر ما نحتاجه إزاء الظواهر التى تستجد علينا.