نزل القرآن على قلب رسول الله والمرأة ليس لها حقوق، كانت سلعة تباع وتشترى وكانت لها وظيفة واحدة وهى إمتاع الرجل. ولقد سبق الإسلام ديانات أهل الكتاب فى حقوق المرأة بذمة مالية مستقلة وحقها فى الميراث وفى الشهادة، ثم بعد دخول الديمقراطية والانتخاب استُبعدت المرأة من حق الانتحاب إلا فى البلاد التى أخذت الإسلام قاعدة فى الحكم وأعطت المرأة حق الانتخاب ورئاسة الوزارة فى بعض الأحيان.
مع الأسف الشديد بعض البلاد الإسلامية، ومن بينها مصر، أخذت بالختان ضد المرأة واعتبرته أحد الأمور الواجبة التنفيذ لاستكمال إسلام المرأة، وجاء بعض اللاحقين بأسباب لا معنى ولا مبرر لها. وأثبتت الأيام أن هذه العادة الكريهة والتى تحرم المرأة من جزء مهم فى جسدها تؤدى إلى مضاعفات جسدية ونفسية ولا علاقة لها بالحفاظ على النقاء والطهارة، وكما سبق أن قلت وقال العديد من رجال الفقه الإسلامى إن هذه العادة والمسئولة عن كثير من المضاعفات لا أصل لها فى الإسلام إلا حديث ضعيف ولم يأخذ به العديد من الدول الإسلامية بما فيها المملكة العربية السعودية وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم.
عندما تسلمت الأمور فى نقابة الأطباء وصلتنى عدة شكاوى عن بنات قاصرات وكالملائكة فقدن حياتهن أثناء عمليات ختان بواسطة غير مؤهلة وأطباء لا علاقة لهم بالجراحة ولكنهم يقومون بهذه العملية فى عياداتهم بدون أى استعداد أو تخدير أو إدراك للمسئولية الطبية لعملية ليست لإنقاذ الحياة ولكن لتعريض الحياة للخطر. وأقنعنا وزير الصحة الزميل المرحوم الدكتور على عبدالفتاح، وزير الصحة فى فترة الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزارة، بضرورة صدور قرارات إدارية بمنع هذه العملية فى المستشفيات أو المؤسسات الطبية، وإلا تعرّض الطبيب والمشاركون لمخالفات إدارية والإحالة إلى المحكمة التأديبية.
فى ذلك الزمان أصيبت مصر ببعض الخبالات والأوهام بأن الأطباء عليهم حراسة حقوق المصرى، ومن بين ذلك مكافحة نقل الأعضاء وتحريم الختان، وقاموا برفع قضية فى مجلس الدولة مقابل محامى الدولة الذى فشل فى إقناع المحكمة بخطورة هذا التدخل الطبى الذى يسىء للمرأة ويحرمها من ممارسة حقوقها الزوجية ويعرض حياتها للخطر. فشل محامى الدولة فى إظهار هذه الجوانب، وصدر قرار مجلس الدولة بإلغاء القرار الإدارى لوزير الصحة، وأصبت بحزن شديد، فقررت أن تقوم النقابة باستئناف القرار وأن يكون لها محام قدير وكنا نتعامل مع الأستاذ الكبير والمحامى الضليع، خصوصاً فى مسائل الفقه وممارسة الشريعة الدكتور سليم العوا، وعلمت أن منظمة الصحة العالمية قد استعانت به فى إخراج كتاب حول قضية ختان المرأة وإثبات أن هذا التدخل هو عادة أفريقية ولا علاقة لها بالإسلام، وأن الحديث المشار إليه هو حديث آحاد وضعيف النسب. وفى جلسة أو جلستين صدر قرار مجلس الدولة برفض قرار الإلغاء واستمرار اعتماد قرار وزير الصحة، وكان إرضاء لى شخصياً لأن لدىّ ذكرى طفولية عندما كنت فى سن العاشرة أو الثانية عشرة، حيث تم ختان إحدى شقيقاتى بواسطة الداية، وظلت الطفلة تنزف ولم يتوقف النزيف وبدأت حالتها الصحية فى التدهور، وأنا قمت بالجرى طوال الصباح على تليفون العمدة لاستدعاء طبيب الصحة وعلى منزل عم رضوان حلاق الصحة وصديق الأسرة، أجرى وأعلم أن أختى مهددة بالوفاة وتكاد أرجلى لا تحملنى، ولكن جاء عم رضوان واطلع على النزيف وحاول بعض المحاولات لإيقاف النزيف ولم ينجح ولكنه ترك المنزل وجرى فى القرية للوصول إلى مكان العمل وأحضر معه سائلاً أصفر اللون. ما اسمه يا عم رضوان؟ قال: «بيكريك أسيد»، هذا السائل وهذا الاسم لم أنسه طوال عمرى، لأنه أخذ بعض الشاش وغمره بالبيكريك أسيد، ووضعه على الجرح، وكان يقبض الشرايين الممزقة، ووقف النزيف بحمد الله سبحانه وعاد الهدوء والبسمة للشفاه، ولكن الطفل الصغير الذى عانى من الجرى طوال الصباح والبكاء على حالة الشقيقة المهددة بالوفاة لم تغادر ذهنه هذه القصة يوماً ما على مدى ما يقرب من ثمانين عاماً. سعدنا بقرار وزير الصحة رحمة الله عليه، ومع ذلك استمر بعض الأطباء فى قرى الصعيد بممارسة هذه العادة الكئيبة والمميتة، والتى هى من بقايا الاعتداء على حقوق المرأة، ولا تزال هذه الممارسة تتم، ويشارك فيها مع الأسف بعض الأطباء ويعرضون أنفسهم للتأديب والإحالة إلى قضايا الجنايات وفقدان الوظيفة والعمل الإنسانى المحترم.
يا نساء مصر، نحن نساندكن ونؤيدكن فى استكمال حقوقكن ونطالب رجال الدين ورجال الإدارة ورجال الحكم بالوقوف معكن ولتنفيذ مطالبات رئيس الدولة المحترم الذى يعطى الشباب والنساء حقوقهم، والإسلام وعد المحافظين على حقوقها وحقوق الوالدين بمكافأة الجنة الدائمة مع الشهداء والصديقين. ونرجو أن تتوقف تلك الممارسات التى يتأكد كل يوم أنها خطأ وخطر، حتى تفخر مصر بأنها تستكمل كل مظاهر المساواة والعدل وإعطاء المرأة كافة حقوقها وحمايتها من العنف وعلى رأس ذلك الختان، ونرجو أن تعطى الدولة اهتمامها بموضوع الأمية لدى النساء. وأنا أعانى شخصياً من المرضى الأميين من النساء وآخذ الوقت الطويل فى شرح المرض وشرح الأدوية وطريقة الاستعمال والفائدة وضرورة الالتزام، وفى معظم الأحيان يكون المرضى فوق الستين وهم فى بعض الأحيان قد تُركوا وأُهملوا من قبَل الأولاد، وتبقى الأم بمفردها فى المنزل بلا رعاية، وأبذل الجهد فى تحفيظ اسم الدواء والحديث عن لون العلبة ولون القرص، وفى بعض الأحيان أقوم بالتحفيظ وأطلب من الأم الكريمة التكرار خلفى، وتقول: متأسفة يا ابنى، على أيامى لم نكن نتعلم. وهل يا حاجة التعليم ومحو الأمية لم يصل إليكم؟ لا يا ابنى، ولكنى علّمت أولادى، كلهم خاضوا التعليم الجامعى ومنهم المهندس والطبيب والمدرس ووفرت لهم كل إمكانيات التعليم.
بارك الله فيكِ يا حاجة يا أم مصر، وبارك فى وطننا جميعاً خلف القيادة الرشيدة للرئيس السيسى.