الطريق إلى "سجن القصور".. رحلة آل مبارك بين القفص والزنزانة
الرئيس الأسبق حسني مبارك
في الثالث من أغسطس من عام 2011، وبعد قرابة 6 أشهر من تنحيه عن الحكم كان الظهور الأول للرئيس الأسبق حسني مبارك منذ تنحيه عن الحكم في 11 فبراير من العام ذاته.
ظهر مبارك مستلقيا على سرير طبي قادما بطائرة من شرم الشيخ مدينته المفضلة أثناء حكمه ليدخل حينها قفص المحاكمة لأول مرة لمحاكمته في قضية قتل المتظاهرين، بالاشتراك مع وزير داخليته حبيب العادلي وعدد من كبار مساعديه، وإلى جواره كان نجليه علاء وجمال اللذان اتهما معه باتهامات تتعلق بعمليات فساد تخص فيلاتهم في مدينة شرم الشيخ وكذلك صفقات تصدير الغاز لإسرائيل.
كان القاضي أحمد رفعت رئيس محكمة الجنايات، هو أول من واجه مبارك بالاتهامات المنسوبة له، وأجاب عليها الرئيس الأسبق حينها بجملته الشهيرة التي ظلت تتردد فترة طويلة حينها، قائلا "أنكرها كلها تماما".
على مدار الأشهر التالية لأغسطس 2011 شهدت قضية قتل المتظاهرين فصولا طويلة وأحداثا مثيرة كونها المرة الأولى التي يقف فيها رئيس مصري متهما في قفص أمام قاض يسأله ويوجه له اتهامات ويستمع إلى ردوده، على مرأى ومسمع من العالم كله حتى انتهت المحكمة في الثاني من يونيو عام 2012 إلى الحكم بالسجن المؤبد للرئيس الأسبق.
وعقب إصدار الحكم أثير جدل كبير حوله، بين من يراه حكما كافيا وبين من لم يرتضيه ليذهب مبارك وقضيته إلى محكمة النقض أعلى المحاكم المصرية، مطالبين بإلغاء الحكم غير المرضي بالنسبة له.
بقيت محكمة النقض تنظر قضية مبارك الأولى أشهر عدة حتى انتهت في يناير من عام 2013 إلى إلغاء حكم سجنه، وقضت بإعادة محاكمته مرة أخرى أمام محكمة الجنايات، لتبدأ القضية مجددا لكن أمام محكمة أخرى وقاض آخر هو المستشار محمود الرشيدي القاضي بمحكمة استنئاف القاهرة.
شهدت جلسات محاكمة مبارك في قضية قتل المتظاهرين في إعادتها زخما كبيرا أيضا، وسمحت المحكمة بنقل أغلب جلساتها وكلام المتهمين فيها تليفزيونيا على الهواء مباشرة، وتحدث مبارك فيها بشكل موسع عن المحاكمة الأولى ثم أصدر القاضي محمود الرشيدي حكمه في القضية ببراءة مبارك من اتهامات قتل المتظاهرين المنسوبة له كما قضت أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده في اتهامات الفساد المتعلقة بفيلات شرم الشيخ وتصدير الغاز لإسرائيل.
ذهبت القضية مجددا إلى محكمة النقض لكن هذه المرة بطلب من النيابة العامة التي لم يرضها حكم الجنايات، مطالبة بإلغاء الحكم لكن محكمة النقض هذه المرة لم تلغ الحكم وأيدته بعد أن عدلت جزءا صغيرا فيه وهو المتعلق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فجعلته البراءة، ليصبح هذا الحكم نهائيا وتغلق ملف القضية نهائيا، ببراءة مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وكبار معاونيه بوزارة الداخلية.
لم تكن قضية قتل المتظاهرين هي الوحيدة التي ذهبت بمبارك إلى قفص الاتهام، فقد حققت معه النيابة العامة أيضا في قضية أخرى عرفت إعلاميا بقضية "قصور الرئاسة"، وكان يحاكم معه فيها أيضا نجليه علاء وجمال وتعلقت القضية باستيلائهم على الأموال المخصصة لموازانة رئاسة الجمهورية، وتحرير مستندات مزورة للحصول على تلك الأموال، حين كان يتولى مبارك مقاليد الحكم.
وكعادة القضايا الجنائية نظرت محكمة الجنايات، الاتهامات المنسوبة للرئيس الأسبق ونجليه على مدار أشهر عدة وانتهت إلى سجنهم، قبل أن يذهبوا وفقا للقانون إلى محكمة النقض عبر محاميهم فريد الديب الذي لازمهم في كل ملفاتهم القضائية أمام كل المحاكم والنيابات لتصدر محكمة النقض حكما بإلغاء الحكم وإعادة محاكمتهم مرة أخرى في القضية ذاتها، لتصيح قضية القصور الرئاسية محط أنظار واهتمام الجميع بعد غلق قضية قتل المتظاهرين للأبد.
حاكمت الجنايات مبارك في قضية "القصور الرئاسية" مرة أخرى وفي المكان ذاته الذي اعتاد أن يمثل فيه أمام المحاكم في أكاديمية الشرطة، وبعد جلسات طويلة ومرافعات أعادت محكمة الجنايات برئاسة القاضي حسن حسانين سجن مبارك ونجليه ثلاث سنوات لكل منهم في القضية.
مرة ثالثة لجأ مبارك ونجليه فريد الديب إلى محكمة النقض آملين أن تلغي إدانتهم وسجنهم، لكنها هذه المرة لم تفعلها كالمرتين السابقتين فأصدرت حكما نهائيا بتأييد حكم سجنهم ثلاث سنوات في الاتهامات المنسوبة لهم.
قالت المحكمة في أسباب وحيثيات حكمها التي صدرت في مايو 2015، إن الأدلة أكدت تسهيل الرئيس الأسبق حسني مبارك إبان رئاسته للجمهورية الاستيلاء على المال العام لنجليه وهو المنوط به الحفاظ على المال العام، فأعطى تعليمات رسمية وشفهية باستقطاع أجزاء من موازنة القصور الرئاسية لنجليه علاء وجمال لينفقوا منها على ممتلكاتهم الخاصة ليصبح الرئيس الأسبق ونجليه مدانون بحكم نهائي لأول مرة يتعلق بالمال العام والاستيلاء عليه.
مبارك وأسرته لم يخضعوا للتحقيق والمحاكمة فقط في قضيتي القصور الرئاسية وقتل المتظاهرين، بل طال التحقيق معهم أمورا أخرى تعلقت في مجملها بالمال العام وأموال مؤسسات الدولة من بينها قضية هدايا الأهرام والمؤسسات الصحفية التي نسب له فيها الحصول على هدايا منها بالمخالفة للقانون، بالإضافة لتحقيقات أجراها جهاز الكسب غير المشروع حول ثرواتهم جميعا.
التحقيقات بشأن الرئيس الأسبق حسني مبارك لم تكن على المستوى المحلي فقط وإنما امتدت دوليا إلى بعض الدول التي طلبت السلطات القضائية المصرية منها، تحقيقات حول أموال مبارك وأسرته لديها مثل سويسرا التي تحفظت على ملايين من الدولارات المملوكة لهم هناك بموجب طلب من النيابة العامة المصرية.
ظلت تلك التحقيقات الخارجية عدة سنوات واتخذت فيها المحاكم في سويسرا قرارات بالتحفظ على أموال "آل مبارك" وعدد من وزرائه وصديقه حسين سالم، حتى جرى إنهائها جميعا بإلغاء قرار التحفظ على الأموال قبل سنوات عدة.
وعلى مدار رحلة مبارك الطويلة في النيابات والمحاكم، فإنه لم يدخل الزنزانة في السجن مطلقا وإنما نفذ قرارات حبسه احتياطيا التي صدرت من النيابات والمحاكم وقضاة التحقيق في مستشفيات عسكرية وغير عسكرية وفقا لحالته الصحية، كما أعلن عند دخوله كلا منها فقضى أيامه الأولى في الحبس منذ أبريل 2011 ولعدة أشهر تالية في مستشفى شرم الشيخ وبعد ذلك نقل إلى مستشفى المعادي العسكري الذي قضى فيه فترة طويلة على ذمة الحبس الإحتياطي ومنه إلى مستشفى سجن طرة الذي بقى به قيد الرعاية الطبية عدة أشهر وذلك قبل أن تنتهي كل القضايا التي خضع فيها مبارك للتحقيق أو المحاكمة.