اعتدنا فى عالمنا الشرق أوسطى أن نقرن كلمة حب بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فى إيحاءات ساذجة فجة قبيحة، حتى أصبح البعض منا يخجل من الحديث عنه كى لا يُتهم بأن هناك شيئاً ما يخفيه أو علاقة غير رسمية ولا شرعية، أو أن يعبر عن إعجابه بكلمات أغنية ومعانيها أو صوت صاحبها وأدائه وآهاته العميقة الموجعة لنفس السبب. واضطر الكثيرون من أصحاب المواهب كتمان ما يشعرون به وما يدور داخلهم من أفكار ناعمة حالمة نادرة عبقرية كان يمكن أن تعيش وتخلد بين عدة أجيال تتناقلها وتحللها وتدرسها وتحصل على جوائز عالمية وتتنقل بين المعارض الفنية والخاصة بالكتب ومنتديات الشعر العربى الفصيح أو العامى أو حتى بين صفحات كتب دارسى الأدب والشعر والنثر، وأن تترجم لجميع لغات العالم أو تعلق فوق جدران المتاحف الفنية خوفاً من نظرات الشك أو التلميحات أو الاتهامات بأن تلك الكلمات موجهة، وأن اللوحة المرسومة بإتقان تشبه إحداهن وتعبر عن هيام وعشق لملامحها، ويمكن اعتبارها طلباً للود والوصال أو تخليداً للقاء، وأن القصيدة الشعرية المنسقة المنمقة الكلمات الحاملة لكل المعانى الإنسانية ليست إلا خطاباً لحبيبة محددة بعينها. وفى بعض الأسر يصل الأمر لخجل الأبناء من التعبير عن عواطفهم وحبهم للأب أو الأم أو الأشقاء صراحة، لأنهم تعلموا أن التعبير الصريح عن العواطف ضعف أو شىء غير مفضل، وعندما يتبادل هؤلاء الأدوار بعد الارتباط والإنجاب، فإنهم يفشلون فى احتواء الأبناء بسبب كتمان المشاعر والعجز عن إطلاقها ليستمتع بها الطرفان. وهكذا يقضى البعض حياته حاملاً داخله أجمل وأصدق وأرقى وأعمق المشاعر دون أن يبوح أو يستمتع أو يعيش، لأنه لم يتعلم ما هو الحب. وعلى الجانب الآخر من الحياة هناك أناس يمكن أن نصفهم بأن قلوبهم خلقها الله وميزها ومنحها قدرات عالية فاخرة جميلة مبهرة مدهشة تدعو من يراها أو يلمحها للسعادة والتحليق فى السماء، لأنها منذ دبت فيها الروح ترفرف على جناح كيوبيد. هؤلاء أو بالأدق أصحاب هذه القلوب يقضون حياتهم يخطون ويرسمون ويغنون ويلحنون ويعيدون توزيع الألحان لتناسب التغيرات السريعة على مذاق الإبداع ويقصُّون على شركائهم فى الحياة قصة ذلك القلب الطائر السعيد الجميل الذى يعشق كل ذرة من مكونات الحياة وكل دقيقة من زمن عمره والكبير الذى يحتوى العالم كله داخله بين حجراته وأوردته وشرايينه ويحافظ دائماً على (نياط القلوب)، وهى تلك الأنسجة الرقيقة التى تشبه الخيوط، والتى تصل بين أجزاء القلب المختلفة كما لو كانت أربطة، وتتمزق فى حالات الحزن الشديد أو كسر الخاطر ليفقد الإنسان حياته فوراً، إذ ينفجر القلب حزناً أو قهراً أو حرماناً. أصحاب القلوب المحلقة على جناح كيوبيد لديهم موهبة الحب فهم يحبون الزمن والذكريات والمستقبل والماضى. يحبون حياتهم كما هى بكل ما تضم من أحداث مفرحة أو محزنة وعملهم بأوقاته الطويلة المجهدة، لأنه سرعان ما يأتى بعدها وقت الراحة والاسترخاء. يحبون الأهل والأصدقاء والبيت والطريق الذى يسلكونه يومياً دون ملل أو ضيق، ويحبون تلك الوجوه التى يلتقونها فى الطريق وحتى اللوحات المعلقة فى الطرق الجديدة التى تدعو للاستثمار والأخرى الحاملة لصور نجوم المسلسلات القادمة وعناوين أفخم المطاعم والمنتجعات وسهرات عيد الحب ورأس السنة الميلادية وعيد الربيع وصكوك الأضاحى والدعوة للتبرع أو كفالة الأيتام. فعلى جناح كيوبيد يشعرون بالرضا والسعادة، وينتظرون الغد بابتسامة ساحرة تأسر القلوب وتبهجها وتدعو الجميع لمشاركتها الاستمتاع بالحب. متعكم الله وأنا معكم به حتى آخر العمر.