لم تنف الكتب السماوية نسبية الصدق والحقيقة والمعرفة والعلوم والفنون البشرية، ولم تقصر فى تذكير البشر بالغيب الذى يكتنفهم.. ونجد فى القرآن المجيد قوله سبحانه وتعالى: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»، ونجد فيه مدحاً للذين يؤمنون بالغيب، وتذكيراً بعلام الغيوب: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ».
وهذه النسبية بدهية مفروضة فرضاً قاطعاً لا يمكن أن يمارى فيها عاقل يعلم أنه لا يعرف إلا الأقربين والمخالطين، وأنه يجهل ولا يدرى أمر الملايين بل البلايين من البشر الموجودين الآن، أو الغابرين الذين لا يعرف عنهم إلاّ أقل القليل، أو الآتين الذين يأتون من بعده وقد يتاح أو لا يتاح له رؤية عدد منهم فى أى وقت أو موضع أو مناسبة.. كما يعلم أنه لا يعرف من يعرفهم إلا نقاطاً ونتفاً يساندها حكم العادة أو حسن الفطن أو سوء الرأى أو قلة المبالاة أو ظلال الهيئة والأهمية.
قال بعض العارفين، إن الله تعالى يعامل عباده برحمته، ويعاقب أعداء الحق بعزّته.
عجيب مؤسف أن يعيش الآدمى عمراً طويلاً ثم لا يترك وراءه من يحزن عليه أو يرثيه!!
من عظمت الدنيا فى نفوسهم، لا يرون غير مرادها ومطلبها!
كثرة أحداث الشرود وصوره فى هذا الزمن، سببها الرئيسى فيما يبدو للمخضرم الملتفت هو سرعة الانتقال والتحرك والتغير والتغيير مع ضيق صدور الناس الآن، وقلة ما معهم من الصبر مما كان مع آبائهم ومن القدرة على تحمل أعباء الحياة ومشاقها طويلاً، ذلك بسبب إسراع عجلة التقدم الجارف فى العلوم الوضعية والمعارف المبنية عليها والأجهزة ووسائل الإنتاج والأدوات المستحدثة نتيجة لها، وفى طرق وأنواع الإنتاج الجديد، وفى انتشار هذه وتلك فى العالم كله غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، وفى أساليب التوزيع التى لا آخر لها براً وبحراً وجواً، وهى كلها أمور لم يسبق لها مثيل فى الماضى القريب والبعيد.
التوكل على الله ثقة واعتماد وتسليم.. ثقة فى الله عز وجل واعتماد عليه، وتسليم لأمره، يفعل سبحانه ما يشاء..
إن البشر بواقعهم مجاهيل، وهم يتعايشون ويتعارفون ويتحدون، كما هم مجاهيل وهم يتوزعون ويتباعدون.. ناطقون وأغراب وأعاجم وأجانب.. ولكن يوسع بينهم من وقت لآخر فرص الاقتراب فى الفكرة أو المبدأ أو العقيدة أو العاطفة أو الاقتراب فى الحاجات والمطالب والأغراض والعادات. وهذه وتلك لا تترك للوعى البشرى إلا فرص المعرفة النسبية القابلة مع العناية للنمو والزيادة، والقابلة مع الإهمال وقلة المبالاة للضمور والانعزال ثم الزوال!
ينزرع الحياء من الله فى قلب المؤمن، لأنه يفكر فى دوام إحسانه عز وجل إليه، ويعلم بأنه بعينه سبحانه فى منقلبه ومثواه، ويذكر وقوفه بين يديه كل لحظة، ويوم يقوم الأشهاد.
القلاقل والفتن والثورات والحروب انبعاثات تلتهب فجأة وهى غير رشيدة فى الأغلب الأعم، ويصحبها إذا اتسعت وطالت ما لا يمكن حسبانه من الخسائر فى الأرواح والأرزاق والمرافق والأموال والعقول والأخلاق والآمال، فهى أسباب ردة مزعجة تفرض بلاياها على ذلك الجزء من البشرية الذى داهمته وألمت به، ولا يسلم من بعض عقابيلها الأجزاء القريبة أو البعيدة من العالم!!
ربما حملت هذه الأحداث المؤذية المخربة معنى كونياً يحملنا حملاً على تخفيف الاندفاعات والنظر فيها، وعلى العودة بالخلق إلى التأنى والاعتدال والفطنة والعقل والتبصر لنرى حقيقة إلى أين تندفع بنا خطانا!
المتوكل على الله لا يستوحش المنع، ولا يستعجل الإعطاء، فالله تعالى يعطى ويمنع بقدرته.
ما من آدمى، قل أو كثر نصيبه من الذكاء، إلاّ ويحكمه «منطق ما» فيما يقدم عليه أو يتخذه من قرارات أو مواقف فى شئونه الخاصة، أو فيما يوكل أو يعهد إليه فى الشأن العام، انحصر هذا الشأن فى داخل الوطن، أو اقتحم ساحة أو غمار العلاقات الدولية وموازينها بالغة الدقة والتركيب والتعقيد!
هذا الخاطر يلح على المراقب لشئون الناس، أو سياسات الدول، حينما ينبو أو يشتط موقف أو قرار عن معتاد ما يراه الناس أو غالبية الأفراد والحكومات.. ويكون خاطر التساؤل أكثر إلحاحاً حين ينتسب القرار أو الموقف إلى مَن يحوز العلم والحضارة وقاعدة المعلومات الواسعة التى توفر رؤية عريضة وفهماً عميقاً يغدو معهما غريباً أن تخطئه أو تخرج عنه المواقف والسياسات!!
الغايات الحميدة تشهد بها الفطرة السليمة والعقول السوية، ولا يجحدها إلاّ عليل الفطرة وسقيم العقل والوجدان!
فارق بين المتكلف والصديق: المتكلف فى حالة يجرى بين استقامة وذلّة..
والصديق هو المستقيم فى جميع أحواله.
دوام المراقبة لله عز وجل يسكن خشية الله فى القلب، لعلمك بأنك وإن لم تكن تراه فإنه سبحانه وتعالى يراك.. لا يخفى عليه شىء من حركاتك وسكناتك، ظاهراً وباطناً.
من تأمل ما رزق الله عباده من الطيبات، وذكر نعمة الله التى أنعم بها عليهم، وعرف أنها لا تعد ولا تحصى يدرك أنه لا يفى بواجب شكر ربه، أن يمضى حياته كلها ذاكراً نعمه وآلاءه، شاكراً حامداً له على ما أفاء به سبحانه على عباده.
لأن معرفة الصدق والحقيقة وعكسهما بوضوح من خصائص وعى الآدمى دون بقية الأحياء على الأرض.. وهما نتيجة سعة نطاق حواسه وذاكرته.. فإنهما، أى الصدق والحقيقة، معنيان بشريان لا يمثلان الكون كله تمثيلاً ملائماً للآدميين فى صلاتهم وروابطهم بأنفسهم وببعضهم البعض وبالكون الذى لا غنى لهم عنه.. وصحة عمل الحواس البشرية هى باب كل معارف البشر، وهى لا تطبع أساسها فى وعى الآدمى، وإنما تحرك أجهزة فيه بترجمة بعض ذلك الإحساس فقط إلى الوعى والذاكرة ليقوما بدورهما.. ودورهما يتضمن مراجعة دائمة على أساس خبرات وتجارب الفرد ومحيطه ومعلوماته التى سادت فى جماعته أو التقطها هو أو حصل عليها بفضل فطنته وإمعان تفكيره وذكائه ورغبته فى الاطلاع والاستطلاع واستقامة النظر والتعقل.. وهذه كلها قابلة للتطور والتحسين.. وقد تطورت وتحسنت على مر الدهور والعصور، حتى صارت إلى ما هى عليه الآن من علوم وفنون وآداب.
الذنوب صنفان: ترك مأمور، وفعل محظور.
من أعظم الذنوب عند الله تعالى، إساءة الظن به!! فهو سبحانه القادر على كل شىء، الغنى بذاته عن كل شىء، العالم المحيط بكل شىء، الرحمن الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء..
من وصايا أحد العارفين لأصحابه: أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة، واظهروا بما أعطاكم الله من نعمه الظاهرة والباطنة، فإنه تعالى يقول: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ».
لعل حاجتنا الشديدة التى لا تنقطع إلى الرؤية والبصر والنور التى يشاركنا فيها البعض من الأحياء، وحاجتنا إلى انتشار الضوء، وسوقها لنا سوقاً إلى ربط رغبة أجزاء حياتنا بالنهار وبالليل واختصاصه لدى سوادنا بأعمالنا ونشاطنا وحركتنا وأهم من ذلك بيقظتنا.. لعل ذلك كله يكون مثالاً جيداً على نسبيتنا إزاء الكون.. فالضوء المنتشر نهاراً الذى نحرص عليه وتسعد به أعيننا وتزدهر فيه حياضنا ورياضنا وحقولنا، يحجبنا حجباً يكاد يكون تاماً عن رؤية شىء من الكون فيما عدا الشمس التى لا نستطيع أن نحدق فيها بل أن ننظر إليها.. لكننا مع الاعتياد المزمن المتطاول لا نرى أن النهار من تلك الزاوية أكثف الحجب وأوسعها امتداداً وانتشاراً أمام البصائر لا الأبصار.
من عزفت نفسه عن الدنيا، استوى عنده حَجَرُها وذهبها!
عذر الخائر، من يتعلل بالطغيان للقعود عن الواجب!
هناك من يضع يده فى يد الشيطان، لا تفارقه ولا يفارقها!!
يوماً ما ستغرب النجوم، وتجف الدموع!