"السلام": تتنفس بعد عام ونصف من التلوث
أهالى السلام سعداء بتنفيذ قرار وقف العمل بالمقلب
بعدما كانوا يعيشون حياة صعبة على مدار سنوات طويلة، حيث الأدخنة الشديدة الناتجة عن حرق القمامة، أو الروائح الكريهة لجبال المخلفات، تنفس أهالى المناطق السكنية بحى السلام ثان الصعداء، منذ تقريباً عام ونصف وتحديداً مع تنفيذ قرار وقف العمل بمقلب السلام العشوائى للقمامة بطريق بلبيس الزقازيق والبالغ مساحته 33 فداناً، ونقله إلى منطقة العبور، لتختلف حياة الأهالى كباراً وصغاراً 180 درجة، حيث أصبح الهواء نظيفاً خالياً من الروائح الكريهة والأدخنة، والأجواء هادئة تخلو من إزعاج سيارات النقل الثقيل، ومنافذ مفتوحة على مصراعيها وأشعة الشمس تدخل المنازل، وتجملت المنطقة بعدها بتشييد مدينتى المحروسة «1و2»، ويترقب الأهالى كيف ستؤهل الحكومة تلك المنطقة المرتفعة بما يعود بالنفع عليهم.
الأهالى سعداء بنقله: "الحياة رجعتلنا تانى.. وإحنا دلوقتى ولا كأننا عايشين فى مصر الجديدة.. وده أحسن تأهيل للمنطقة"
أطفال تلعب وتلهو أمام منازلهم على بعد أمتار من مقلب القمامة السابق، والسيدات يجلسن معاً فى وقت الظهيرة، وأمام منزله المواجه لمقلب السلام مباشرة يقف غزال الليثى، 60 عاماً، أحد أهالى المنطقة ويعمل بإحدى شركات البناء، يظهر على ملامح وجهه الرضا والسعادة بما تحولت إليه المنطقة، حيث يسكن فيها منذ 14 عاماً، ويحكى الوضع الذى كانت عليه المنطقة قبل نقل المقلب: «كانت القمامة كل يوم بتتحرق والدخان يدخل على الأهالى فى الشقق، وفى أى وقت فى اليوم كنا نلاقى الجبل نفسه مولع، وطبعاً الريح بتهيج النار وتكبرها أكتر وتجيبها على العمارات المواجهة للمقلب، وماكانش حد بيعرف يقعد فى الشقق من كتر الدخان، ومهما قفلنا الشبابيك والأبواب الريحة نفسها بتفضل موجودة جوه الشقق»، مؤكداً أن تراكم أكوام القمامة على بعضها لفترات طويلة مع حرارة الشمس، هى السبب فى اشتعال الحرائق من نفسها وليس بفعل فاعل.
ويتذكر «غزال» أحد المواقف التى حدثت من جراء الحرائق المتكررة لجبل القمامة، موضحاً أنه كان فى يوم مباراة لكرة القدم بين فريقى الأهلى والإنتاج الحربى والمُقامة على استاد السلام القريب من مقلب القمامة، فنشب حريق كبير وعلى أثره انتشرت الأدخنة بكثافة، لدرجة أنها وصلت إلى الاستاد وملأته بالكامل، ووصفها بالفضيحة، وأنها كانت السبب الرئيسى فى نقل المقلب من تلك المنطقة: «ناس كتيرة كانت تعبت من الدخان اللى عايشين فيه ده، خاصة الأطفال، وناس تانية هربت من المكان ده وباعت شققها بسبب المقلب»، مؤكداً أنهم تقدموا بالكثير من الشكاوى من أجل إزالته.
الحال والوضع تغير عقب نقل المقلب من المنطقة، ولم يتبق سوى بعض سيارات النقل التى تُلقى بمخلفات البناء داخل المقلب، وفقاً لـ«غزال»، مضيفاً بنبرة هادئة: «دلوقتى الهوا بقى حلو وأحسن من الأول، ونفسنا الأرض دى تتعمر بحاجة تبقى مفيدة لأهالى المنطقة عشان متبقاش فاضية كده، لأن طول ما هى فاضية كده الفيران والحشرات قاعدة فيها وبتطلع علينا»، مشيراً إلى أنه علم أن قطعة الأرض المُقام عليها المقلب سيتم تأهيلها وتحويلها إلى حديقة كبيرة تشبه حديقة الأزهر الشهيرة بالدراسة.
"صفوت": "المخدرات فى المقلب كانت بتتباع بالطابور.. والعربيات ماكانتش بتعرف تعدى بسبب الطين والمخلفات"
وأمام مقلى التسالى التى يمتلكها، يجلس صفوت أحمد، 55 عاماً، أحد أهالى المنطقة منذ عام 1992، موضحاً أن المنطقة كانت عبارة عن منطقة صحراوية، بها جبال من القمامة، حيث تتجمع بها المخلفات من مناطق كثيرة من مختلف أنحاء القاهرة، وكانت دائمة الاشتعال، قائلاًً: «الحريق لما يحصل والدخان يدخل البيوت الجهاز التنفسى بتاع الناس بيتعب، وفيه ناس جالها حساسية وأمراض فى الصدر نتيجة الدخان والروائح اللى بتطلع من المقلب»، يصمت «صفوت» برهة ثم يستكمل حديثه: «كانت المخدرات هنا بتتباع بالطابور، وحتى العربيات ماكانتش بتعرف تعدى لأنها كانت بتغرس فى الطين والمخلفات»، مُشيراً إلى أن هناك الكثير من الأهالى باعت منازلها وهجرت المنطقة نهائياً بعدما كانوا يصرفون الكثير من الأموال مقابل الأطباء والمستشفيات لعلاج أبنائهم من الأمراض الصدرية.
المنطقة هنا اتغيرت تماماً وحياتنا أصبحت آدمية والفضل يرجع فى ذلك إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعدما تم نقل مقلب القمامة، إضافة إلى تشييد مدينتى «المحروسة 1 و2»، والتى تظهر بشكل رائع وبتشطيبات «سوبر لوكس»، حسبما أكد «صفوت»، متابعاً: «السكان والأهالى هنا تعبت كتير لحد ما الكابوس ده انتهى من حوالى سنتين بنقل المقلب، وإحنا دلوقتى ولا كأننا عايشين فى مصر الجديدة، ولا عمرنا كنا كأهالى هنا نحلم بالتغيير ده خالص، ده غير طريق بلبيس اللى اتطور جنبنا».
يتمنى «صفوت» أن تتحول مساحة الأرض التى كانت عبارة عن مقلب قمامة ضخم إلى منطقة سكنية كبيرة، قائلاً: «هتبقى حاجة جميلة جداً، وهتحل أزمة سكن كبيرة لشباب كتيرة، وشوفوا بقى منطقة زى دى هتاخد كام أسرة تعيش فيها، وممكن المنطقة دى تتحول إلى حديقة زى الفسطاط، ودى هتبقى جميلة لكافة أهالى المناطق المجاورة وليس النهضة فقط».
"شعبان": "كنا بنشوف الدخان ظاهر فى استاد السلام على شاشة التليفزيون.. وإحنا بنتابع الماتشات عشان كده اتشال"
وعلى بعد شارع واحد من مقلب القمامة المُغلق، وداخل محل لبيع الأدوات الصحية، يجلس شعبان عبدالعظيم، 47 عاماً، صاحب المحل، برفقة أحد أصدقائه يُتابع إحدى مباريات كرة القدم على شاشة التليفزيون، يعمل «شعبان» فى تلك المنطقة منذ 10 أعوام، ويتفق فى الرأى مع سابقه، موضحاً أن وصول الأدخنة المنبعثة عن حرائق المقلب إلى استاد السلام أثناء المباريات، هو السبب فيما وصل إليه الوضع حالياً من حيث توقف عمليات الحرق نهائياً، قائلاً: «كنا بنشوف الدخان فعلاً ظاهر فى الاستاد على شاشة التليفزيون، وإحنا بنتابع الماتشات، وده اللى لفت انتباه المسئولين للمقلب، ده الأهالى مكانتش بتعرف تفتح الشبابيك من كتر الدخان والريحة».
الحرائق والأدخنة توفقت نهائياً لكن هناك بعض الأشخاص غير معروفين ما زلوا يعملون داخله على نطاق أقل كثيراً عما سبق، وفقاً لـ«صفوت»، قائلاً: «بيقولوا إنهم نقلوا مقلب القمامة لإنشاص فى بلبيس، وطبعاً فيه ناس كتيرة هتلاقى إنه صعب إنها تروح لحد هناك وتيجى ترمى هنا أو فى الشوارع المحيطة اللى بقت مليانة زبالة».
أرض مقلب السلام مُحاطة من الأربع جهات بمبانٍ سكنية، وإذا تم بناء حديقة ضخمة كحديقة الأزهر الشهيرة ستخدم أهالى المنطقة وكافة المناطق المجاورة من ضمنها العبور، حسب «شعبان»، مضيفاً: «ده أحسن تأهيل للمنطقة، لأنها على ارتفاع كبير، وحلها يا إما تشيلها خالص وهتتكلف مادياً كتير أوى وإمكانيات كبيرة، وحلها إنها تبقى جنينة على الارتفاع ده، وتبقى برسوم دخول رمزى، بحيث الأهالى تستفاد والدولة كمان تستفاد»، مشيراً إلى أن منطقة النهضة بالكامل ليس بها سوى حديقة واحدة للأسر ولكنها متهالكة، وأن فكرة تشييد حديقة مكان المقلب سمعها الأهالى بالفعل ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.