"لجنة هندسية" لمعاينة عقار الدرب الأحمر المحترق وحصر الخسائر والتلفيات
"الآثار": تأثر السقف الخشبي لكُتاب يوسف أغا الحبشي بالنيران
تصوير:
عدنان عماد
09:52 ص | الأحد 08 مارس 2020
آثار الدمار الذى لحق بمنطقة باب الوزير فى الدرب الأحمر
شكَّل اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، لجنة هندسية لبيان تأثر العقار «51» بشارع الدرب الأحمر بمنطقة باب الوزير بحى وسط، بعد الحريق الذى شب، مساء أمس الأول، فى الموقع وطال نحو 12 محلاً وورشة أحذية وسقف سبيل أثرى. وقال اللواء إبراهيم عوض، مدير المتابعة الميدانية بالمحافظة، إن «قوات الحماية المدنية سيطرت على الحريق الذى لم يسفر عن إصابات أو وفيات، وسيتم حصر الخسائر والتلفيات».
رئيس حى وسط: سنتخذ إجراءاتنا بشأن الترميم وخلافه
وقال المهندس ناصر رمضان، رئيس حى وسط، إن «أجهزة الحى أزالت آثار حريق محلات شارع التبانة بالدرب الأحمر»، وأضاف لـ«الوطن»، أن «الشارع يسير بشكل طبيعى بعد إعادته لأصله، وإزالة آثار الحريق وعمليات الإطفاء»، مؤكداً أنه «جرى تشكيل لجنة من الحى والآثار، للبدء اليوم فى إجراء حصر للمواقع المتضررة من المحلات تمهيداً لاتخاذ إجراءات بشأنها من ترميم وخلافه».
سلامة مسجد "المهمندار"
وأكد الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن «حريقاً محدوداً نشب بمجموعة من ورش الأحذية الموجودة بأرض الفحامين بشارع التبانة بمنطقة باب الوزير، وقد تأثر بالنيران السقف الخشبى الخالى من الزخارف لكتاب يوسف أغا الحبشى الأثرى المجاور لهذه الورش».
وأشار «مصطفى» إلى أنه تم تشكيل لجنة أثرية برئاسته والمهندس وعد أبوالعلا رئيس قطاع المشروعات، وتمت معاينة الأثر فور إخماد الحريق وحالته الإنشائية، حيث تبين تأثر سقف السبيل بالنيران، ولم يتأثر باقى السبيل أو جامع أحمد المهمندار الأثرى الملاصق له.
ولفت إلى أن «فريقاً من مفتشى آثار المنطقة، ومسئولى أمن الآثار، اتخذ جميع الإجراءات الوقائية، ووسائل الحفاظ على الآثار الموجودة فى محيط المنطقة، لحين استكمال أعمال المعاينة لسرعة درء الخطورة لبدء أعمال الترميم».
فيما انتابت أهالى وأصحاب ورش صناعة الأحذية بالمنطقة الواقعة بين الدرب الأحمر ودرب الأنسية، حالة من الحزن الممزوج بالصدمة وقلة الحيلة، بعد تحول كل ممتلكاتهم إلى ركام.
أصحاب الورش: "حياتنا اتدمرت"
واقفاً أمام مسكنه وورشته بعدما قضت النيران على كل شىء بالمنطقة، وبملامح حزينة يتذكر عصام عبدالمنعم، 45 عاماً، صاحب ورشة صناعة أحذية وسكن خاص به يجمعه مع زوجته و6 أبناء، ما حدث، موضحاً أن الحريق نشب فى الساعة 6 من مساء أمس الأول، بشكل مفاجئ وخلال أقل من نصف ساعة كان الحريق وصل إلى كل المساكن العشوائية والورش، وأن رجال المطافئ أدوا ما عليهم منذ الأمس حتى الآن، «مش عارفين إيه السبب فى الحريق ولا إيه اللى ولعها كده مرة واحدة».
ينظر «عصام» إلى زوجته وأبنائه، قائلاً بنبرة حزينة: «كان كل همنا نخرَّج العيال بالسلامة من الحريق، والحمد لله مفيش خساير فى الأرواح، بس بيتنا وحياتنا كلها اتدمرت ومش عارفين نعمل إيه، وهاروح فين دلوقتى بعيالى؟!».
وأمام ورشته المحترقة تماماً، يجلس سمير سامى، 28 عاماً، تظهر على ملامحه الحسرة وقلة الحيلة وهو ينظر إلى ما التهمته النيران، موضحاً أنه لم يستطع إنقاذ أى من البضاعة، وأن النيران قضت عليها وعلى أدوات العمل، قائلاً: «كنت واخد شغل من الناس بالآجل على أساس أننا داخلين على موسم وأسدد اللى عليا منه، لكن البضاعة كلها ساحت وباظت والورشة كلها اتهدت باللى فيها»، مشيراً إلى أنه يصرف على والده ووالدته الذين يعيشون فى الفيوم من تلك الورشة.
وعندما جاءت سيارات المطافئ كانت ألسنة النيران تمكنت من تلك المنطقة، وأن الأهالى وأصحاب الورش حاولوا إطفاء الحريق، ولكن كانت هناك بعض الورش تم بناؤها من الأخشاب، ومع جلود الأحذية والمواد التى تستخدم فى صناعتها أمثال «الكولة» والبنزين، ساعدت تلك العوامل فى انتشار النيران بشكل سريع، وفقاً لحديث «سمير»، مضيفاً: «النار من إمبارح لحد النهارده كل شوية تولع بعد ما يطفوها».
مستنداً بظهره إلى الحائط وعيناه تملأهما الدموع كلما نظر إلى منزله وورشته المحترقين، يوضح مرسى ذكى، 72 عاماً، صاحب ورشة ومسكن كان يسكن به مع أفراد أسرته، أن الأمس كان تجمع جميع أفراد أسرته عنده بالمنزل، وكان وقتها خارج المنزل رأى ابنته تجرى عليه وتخبره بحريق المنزل والورشة، مضيفاً بنبرة حزينة: «بصيت من تحت لاقيت دمار والنار ماخدتش لحظات والدنيا كلها نورت، والبيت اللى كان ساترنا راح، وإحنا ناس غلابة ساكنين فى عشوائيات، وكلنا كنا متلمين فيه».
«كان كل همى أخرج بولادى وأحفادى من الحريق بخير، وماطلعتش غير بالهدوم اللى عليا لأن كله اتحرق، ومالحقناش نطلع بأى حاجة، حتى الهدوم اللى عليا هدوم شغل مبهدلة» قالها «مرسى» وبدأت دموعه تنهمر، مؤكداً أن الورشة بالكامل تدمرت وأصبحت عبارة عن قطعتين من الصفيح، وأنه كانت بها بضاعة كان قد انتهى من صناعتها فى اليوم السابق للحريق، متابعاً: «أنا مش عارف أعمل إيه دلوقتى ومش عارفين هنروح فين وهنجيب سكن تانى منين».
بدت الرعشة واضحة فى يد زوجة رضا سيد، 34 عاماً، وهى تحكى عن النار التى كادت أن تلتهم صغيرها: «بساعد جوزى فى شغل الورشة، عشان فى رقبتنا 6 عيال، ولما قالوا فيه حريق وشُفناه بعنينا جرينا علشان ننزل، والصدمة إن ابنى الصغير دخل يلعب فى مكان الحريق، والإزاز والخشب وقع حواليه، واضطريت أعدى وسط كل ده، علشان أنقذه».
إلى جانب الورش التى احترقت، كان هناك الكثير من الغرف الصفيح والخشب، التى طالتها ألسنة النيران، وحسب ولاء محمد، التى جلست على الرصيف بجلباب البيت تهدهد رضيعتها «ساجدة» التى لم يتجاوز عمرها 11 شهراً: «إحنا كنا أكتر من 11 عيلة ساكنين فى عشش صفيح وخشب، جنب ورش الجزمجية، العشة عبارة عن أوضة كبيرة، وعندنا حمام واحد مشترك، الحريقة أكلت كل العشش ودمرت حياتنا أكتر ما هى متدمرة».
تبكى «ولاء»، وهى تؤكد أنها طالما طالبت الحى بتوفير سكن لها ولأبنائها، وقدمت شكاوى كثيرة بشأن انتشار القمامة حول العشش: «كان قلبى حاسس والله، أصل الجزمجية والناس هنا كانوا بيرموا الزبالة ناحية العشش إللى إحنا ساكنين فيها، وكذا مرة أروح الحى بالصور، وأقول لهم إن الزبالة كتيرة وخطر، والإجابة دايماً (حاضر)، من غير تنفيذ».