للأحلام سحر خلاب حنون كما لو كان لمسات أيدٍ طيبة ودودة تربت على أجسادنا، تواسينا وتمسح عنا آلام المعاناة من القهر أو الفشل أو الإحباط أو الفراق أو الانتظار أو القلق، وربما حيرة الوحدة والبحث عن الونيس والحبيب والصديق والوطن البعيد والأمن والاستقرار والفرحة وسط شركاء الحياة وراسمى البهجة على الملامح ومسجلى كلمات التهانى فى دفاتر المناسبات السعيدة، وأصحاب الأيدى التى شاركتنا الطعام، ورضيت باقتسام القليل وتصنعت الاكتفاء والشبع، لتترك لنا ما نحتاج وما نريد، فى سلوك لا يعرفه إلا المحبون المتفانون الذين يجيدون فن العطاء والمنح بكل رضا وسعادة تطبيقاً للجملة الخالدة فى إحدى قصائد نزار قبانى «إن كنت أعز عليك فخذ بيدىّ.. فأنا مفتون من رأسى حتى قدمىّ». سحر الأحلام يشبه هذا الإحساس الرائع بالدفء والراحة، عندما يحتضننا فراش ناعم وثير وكأن هناك فرشاة فنان ترسم بسرعة ودقة حدود جسدنا وسطه فى ليلة قارسة البرودة ممطرة، بعد أن يخترق الصقيع خلايانا ويصيبها بصدمة وألم يصل للأعماق، فنبحث فيها عن الملاذ الآمن من قسوة الطبيعة، وكأننا نعود إلى الأرحام التى خرجنا منها وبحثنا وتجولنا وعدَوْنا فلم نجد ما يشبهها أو من يملك قدرتها على العطاء. وفى الأساطير القديمة وقصص وروايات الأطفال التى عشنا وسطها وكوَّنت خيالنا ولوَّنت صورنا عن السحر والسحرة والأحلام وحكاياتها وأضغاثها نرى ونلمس سحر الأحلام، فكم من روايات حكت لنا عن الساحرة الشريرة وقدراتها وملامحها وأفعالها وأذاها ومنافستها الخيرة الرقيقة جميلة القلب والملامح ذات الصوت الملائكى التى تنقذ دائماً ضحايا السحر الأسود وتبطله بالحب والشعر والقبلات والمشاعر الصادقة. وهناك أشخاص يبحثون عن الأحلام وينتظرونها ليحققوا فيها انتصارات ونجاحات، ويلتقون بالأحبة ويصلون للأهداف التى بعدت عن أيديهم. وبعيداً عن الرومانسية فإن علماء النفس يؤكدون أنها صور أو قصص يخلقها العقل خلال فترة النوم العميق، حيث تكون الدماغ فى ذروة نشاطها وتعرف باسم مرحلة حركة العين السريعة -وهى واحدة من خمس مراحل مختلفة يمر بها النائم- وعادة تتركز بشكل أكبر فى النصف الثانى من الليل، وهناك العديد من الأبحاث التى أجريت على أشخاص أثناء نومهم، ليصلوا فى النهاية إلى أن الأحلام عبارة عن أنشطة غير حسية دون هدف أو معنى يجريها الدماغ خلال فترة النوم، بينما يعتقد البعض الآخر أنها ضرورية ومهمة لصحة الجسد والعقل والعاطفة، وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين لا يدخلون مرحلة حركة العين السريعة يعانون من القلق والاكتئاب والتوتر وصعوبة التركيز وزيادة الوزن، وربما تصل للهلوسة، حيث تساعد الأحلام على حل المشكلات ومعالجة العواطف ودمج الذكريات. ويرى سيجمون فرويد أن الأحلام نافذة لمنطقة اللاوعى، وهى وسيلة لإرضاء الرغبات غير المقبولة فى المجتمع. وقد اهتمت أقدم حضارة عرفها الإنسان (الحضارة السومرية) بدراسة الأحلام وتفسيراتها، كما كان الإغريق يعتبرون الأحلام هبة من عند الآلهة ترسلها لكشف أمر معين أو إيصال معلومات للبشر أو زرع رسالة معينة فى عقل الشخص النائم. وفى التاريخ الإسلامى اهتم العلماء بتفسير الأحلام وتحليلها ووضع تقسيمات لها ومحاولة معرفة أسبابها، ومن أهم هؤلاء العلماء ابن سيرين وابن خلدون والنابلسى. وفى تقسيم الأحلام هناك الرؤيا التى يشاهد فيها الحالم أمراً محبباً إليه وقد يراد بها التبشير بأمر ما أو التحذير، والثانى الحلم، والثالث حديث النفس، وهى إسقاطات من الواقع تأتى أثناء النوم على شكل أحلام، وعادة ما تكون رغبات مكبوتة أو أمانى غير محققة لدى الشخص. رزقنا الله بالأحلام الوردية المعطرة التى نرى فيها كل ما ومن يسعدنا وننتظره ونتمناه.