هل يجوز التفكير فى معنى كالحب فى زمن الأزمة؟ أم أنها تفرض علينا لغتها ومنطقها فننساق لما تأخذنا إليه وكل منا يفكر فى ذاته؟ واقع البشرية المرئى على الشاشات يحكى عن هذا وذاك. يروى حكايات من يواصلون العطاء رغم غموض المشهد وسرعة انتشار فيروس ليس بالخطير ولكنهم يجعلونه رهيباً، كما يحكى لنا قصص ومشاهد من عاش لنفسه فقط فى زمن الفزاعة التى أرغمونا على العيش فيها برعب.
فالمتابع للأخبار لا بد أن يقف أمام مشاهد القائمين على رعاية مرضى «كورونا» فى المستشفيات فى كل أنحاء العالم بلا استثناء -إناثاً وذكوراً، أطباءً وتمريضاً- ويدعو لهم وهم يقومون بخدمة مرضى يعيشون حالة العزل عن المحيطين بهم لمنع انتشار الفيروس. بينما من يقدمون الخدمة لا يخشون العدوى ولا يفكرون بأنفسهم فى ظل هذا الخطر. رغم أن منهم من مات بالفيروس كالطبيب الصينى «لى ليانج»، طبيب مستشفى يوهان، الذى كان أول من اكتشف حالات الإصابة بالفيروس فى ديسمبر الماضى وحذر منها زملاءه ظناً منه أنها «سارس». ثم جاءت وفاته بعد تعرضه للإصابة بالفيروس ليبكيه الجميع ويعرفه العالم ولكن بعد أن كان أمره قد انتهى. ومنهم الطبيب الدكتور «ييل تونج تشين»، الذى أصيب بفيروس كورونا المستجد فى أحد مستشفيات مدريد التعليمية بإسبانيا والذى أصيب بفيروس كورونا والتقته «سى إن إن» ليحكى ما شعر به كمريض بعد تدوينه ليوميات المرض على «تويتر» لتوعية الناس بأعراضه.
هؤلاء وغيرهم مجرد نماذج تحكى عن مشاعر الإنسان الذى يشعر المسئولية حتى فى لحظات الخطر أو المرض ويدرك ما عليه فعله للإنسانية للحماية أو للوقاية. ولكن ليس كل البشر كذلك وإلا ما كنا شاهدنا التزاحم على الأسواق وفراغ أرفف المحال من الأغذية فى مصر وخارجها. وما كنا تساءلنا عن اختفاء المطهرات والمعدات الطبية الخاصة بالوقاية من الصيدليات، سواء كان هذا بفعل إقبال الناس لشرائها بما يزيد على الاحتياج دون مراعاة لغيرهم ممن يحتاجون تلك الوسائل تماماً مثلهم، أو بفعل قرار الإخفاء من الصيدليات لزيادة السعر وفقاً لزيادة الطلب ونقص المعروض. وحينما تحادث الناس فى خطأ ذلك الموقف تسمع البعض المتعجب من حديثك الغريب، والبعض المؤكد أنه فعل ما كان غيره سيفعله لو كان مكانه، والبعض المبرر أن لا شىء مضموناً وعليه اتخاذ الحيطة! بينما المؤكد أنهم كانوا سيلعنون كل المبررات السابقة لو أنهم ذهبوا لشراء احتياجاتهم ووجدوا غيرهم قد استباحها لنفسه فقط.
موقف لا يطرح مشهداً مثالياً لنماذج البشر أو يستعرض مشاعر الرفاهية فى أزمة أعمق، ولكنه سؤال حتمى يفرض نفسه كيف جاء النموذج الأول ليمنحنا الإحساس بالعطاء؟ وكيف فرض الثانى علينا قبحه وأنانيته؟ هل هو التعليم؟ لكن فى أوروبا والدول المتقدمة يحدثوننا عن التعليم الجيد الساعى لخلق الإنسان المنتج المنتمى لغيره من البشر، فلماذا رأينا خلو المحال من الأطعمة كما فى بريطانيا؟ هل المستوى الاجتماعى والمادى المرتفع ما يضمن الاستغناء والتفكير فى الآخر لأنه لم يحتج يوماً لشىء ولم يجده، بينما الفقر والعوز هو من يفرض فى نفوس الناس الخوف من غياب الشىء والمعاناة؟ ولكننى شاهدت مستويات اجتماعية واقتصادية مرتفعة تمسح أرفف السوبر ماركات مما عليها من بضاعة حتى لو لم تكن بحاجة إليها! هل هو التدين والإيمان بالخالق؟ ولكن لا أحد يعلم العقيدة التى يؤمن بها الطبيب الصينى المتوفى من جراء علاجه للمرضى فى «يوهان».
إيمانى أنها التربية والتنشئة على القيم والمبادئ بممارسة لا بتلقين، بمعنى حضور المناخ الحاضن للإنسان كى يكون إنساناً، من أسرة وتعليم ومجتمع وفهم واعٍ لمعنى التدين. فما أحوجنا لذلك المناخ اليوم.