"أن تكون سابقا بخطوة".. كيف أدار "المركزي" أزمة "كورونا"؟!
البنك المركزي يخوض مناورة اقتصادية على 5 مراحل لحماية السوق من الركود
البنك المركزي المصري
«أن تكون سابقاً بخطوة».. هذا هو مفهوم المبادرة فى مواجهة الأزمات، فالتجهيز والعمل على مواجهة السيناريوهات السيئة يعد مهمة رئيسية للقيادة فى أى مؤسسة، وهذا ما فعله البنك المركزى المصرى باقتدار فى إدارته للأزمة الحالية، فلدينا جميعاً نموذج لا بد أن يتم تسليط الضوء عليه، فى كيفية مواجهة الأزمة وإدارتها والتعامل المدروس معها، فلا شىء يترك للصدفة، ولا مجال للتجربة.
اتجه «المركزى» منذ فترة لتدشين عدد من المبادرات المهمة لتعزيز الاستثمار والإنتاج، وتزامنت هذه المبادرات مع المخاوف العالمية الأولى من انتشار فيروس كورونا المستجد، الأمر الذى عزز من تمويلات القطاع المصرفى للاستثمار والاستهلاك ودعم بشكل كبير مؤشرات الاقتصاد المصرى فى بدايات الظهور العالمى للأزمة، ومع تطور الأزمة وظهور الفيروس فى مصر طرح البنك المركزى السيناريو B، للتنفيذ ليكون بمثابة خطة مواجهة الأزمة، وذلك من خلال تخفيض الفائدة وتشجيع الإنفاق وتعزيز تمويلات الاستثمار، واتخاذ تدابير وقائية فى المعاملات المصرفية التى تتم بين العاملين بالبنوك والعملاء، فضلاً عن اتخاذ قرارات تتسم بالمسئولية الوطنية لدعم قدرة الأفراد على مواجهة الأزمة من خلال تأجيل استحقاقات القروض، ومساندة المتعثرين.
انعكس هذا التعامل على أداء السوق بصفة عامة، ونتج عنه دعم الثقة فى الاقتصاد المصرى بشكل كبير، ويمكننا تلخيص تعامل البنك المركزى مع الأزمة فى خمس مراحل رئيسية.
المرحلة الأولى
أعد البنك المركزى نفسه لمواجهة المشاكل والأزمات التى تواجه الاقتصاد المصرى كما نشهد الآن، حيث قام خلال المرحلة الأولى باتخاذ قرارات وإجراءات استباقية تتمثل فى إطلاق عدد من المبادرات المهمة لدعم القطاعات الرئيسية التى قد تتأثر بفعل الأزمة، وتشمل هذه القطاعات كلاً من القطاع الصناعى وقطاع السياحة والقطاع العقارى.
تخفيض الفائدة وتأجيل استحقاقات القروض ومبادرات التمويل تدعم الثقة فى الاقتصاد "وقت الأزمة"
ديسمبر 2019، قام البنك المركزى بإطلاق مبادرتين لدعم الصناعة المصرية، تتمثل الأولى فى تخصيص المركزى 100 مليار جنيه لتمويل رأس المال العامل والعدد والآلات والمعدات، وذلك بسعر فائدة 10% متناقصة، شريطة ألا يتم استخدام هذه الأموال فى سداد تسهيلات قائمة، أما الثانية فتستهدف المصانع المتعثرة، حيث تدعمها من خلال إسقاط فوائد متراكمة بنحو 31 مليار جنيه عن 5148 مصنعاً متعثراً، بشرط ألا تتجاوز قيمة المديونية 10 ملايين جنيه، مع السماح للعميل بسداد 50% من قيمة المديونية، دون احتساب قيمة الفائدة.
ويأتى ذلك بعد قراره بتخصيص 5 مليارات جنيه لإعادة إقراض الشركات المتوسطة المنتظمة العاملة أو الحديثة فى مجالات الصناعة والزراعة والطاقة الجديدة والمتجددة بسعر عائد 7%، بغرض تمويل الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج.
وفى الشهر ذاته، أطلق «المركزى» مبادرة خاصة بقطاع السياحة الذى دائماً ما يتأثر بالأزمات، نظراً لكونه أحد القطاعات الأكثر حساسية تجاه التقلبات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث خصص البنك المركزى 50 مليار جنيه لدعم وإحلال وتطوير فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحى، بسعر فائدة 10% متناقصة، ومدة سداد تصل إلى 15 عاماً، ما يدعم تطوير الفنادق على أعلى مستوى، من شأنها أن تجذب السياح وتوفر لهم تجربة سفر مريحة، وبالتالى تضمن توافد المزيد من السياح نتيجة التقييمات المرتفعة التى تحصل عليها الفنادق والمناطق السياحية المصرية.
ولم يتوقف البنك المركزى عند هذا الحد، بل قام بدعم واحد من أهم القطاعات التى يعتمد عليها الاقتصاد المصرى، ويرتبط بشكل مباشر برفاهية المواطن، حيث خصص البنك المركزى 50 مليار جنيه ضمن مبادرة التمويل العقارى لمتوسطى الدخل، وذلك بمعدل فائدة 10% متناقصة وفترات سداد تصل إلى 20 عاماً، كما قرر مد مبادرة التمويل العقارى التى أطلقها فى 2014 مع اقتصارها فقط على محدودى الدخل بمعدلات فائدة 7% أو 5% وفقاً لشريحة العميل، وذلك لتوفير المسكن الملائم للمواطنين من محدودى الدخل.
المرحلة الثانية
فى ظل الانتشار النسبى لفيروس كورونا بين الأفراد لم يتوقف دور البنك المركزى على تنظيم السياسات النقدية فحسب، بل قام بوضع معايير وتعليمات تعزز من سلامة المعاملات النقدية للأشخاص والشركات، وذلك من خلال إجراءات النظافة العامة التى تتخذها كل المؤسسات، أو من خلال تفعيل آليات الشمول المالى بشكل أكبر لتفادى حدوث تجمعات تؤدى لانتشار العدوى، ووضع القرارات والإجراءات المنظمة لذلك ليضمن عمليات مصرفية أكثر سهولة وأماناً.
المرحلة الثالثة
تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 3% دفعة واحدة، هذا ما قرر البنك المركزى فعله ضمن مناورات إدارة الأزمة، حيث قام بعقد لجنة استثنائية الأسبوع الماضى ليقرر خلالها تخفيض أسعار الفائدة بـ300 نقطة أساس، وهو التخفيض الأكبر الذى قام به «المركزى» منذ سنوات طويلة، وذلك حفاظاً على مكتسبات الاقتصاد المصرى التى حصدها من برامج الإصلاح الاقتصادى الصعبة التى بدأت فى نوفمبر 2016.
ويضع البنك المركزى نصب عينيه التوقعات المستقبلية لمعدلات التضخم واتساقها مع تحقيق معدل التضخم المستهدف البالغ 9% (± 3%) خلال الربع الرابع من 2020، مستهدفاً من ذلك تنشيط حركة القطاعات الاقتصادية، والتوسع فى الائتمان الاستثمارى، خاصة مع وصول أسعار الفائدة لمستويات قياسية، حيث أصبح سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بموجب هذا القرار عند مستوى 9.25% و10.25% على التوالى.
المرحلة الرابعة
استكمالاً لإجراءاته ومناوراته لعمل حراك فى النشاط الاقتصادى المصرى فى ظل ما يعيشه الاقتصاد العالمى من أزمة ركود مع تفشى فيروس كورونا، قام البنك المركزى بتخفيض أسعار الفائدة الخاصة بالمبادرات التى أطلقها نهاية عام 2019، التى تتضمن كلاً من مبادرة دعم القطاع الصناعى، ومبادرة دعم القطاع السياحى، ومبادرة التمويل العقارى للطبقة المتوسطة، لتصبح بعد التخفيض 8% متناقصة، مقارنة بالمستويات السابقة عند 10% متناقصة.
ويستهدف البنك المركزى من اتخاذ هذه الخطوة تحقيق المزيد من الحراك على مستوى هذه القطاعات ودعم قوتها الإنتاجية، فى ظل حالة التباطؤ التى تشهدها الأسواق العالمية والإقليمية بفعل تداعيات فيروس كورونا وما سبقه من حروب اقتصادية، لتصبح بذلك التمويلات أكثر جذباً وفاعلية فى دعم مجموعة من القطاعات المؤثرة فى الاقتصاد المصرى، والتى تضم نسب العمالة الأكبر، بما ينعكس فى النهاية على مستوى معيشة المواطن.
المرحلة الخامسة
ومع إتاحة التمويلات اللازمة للقطاعات الاقتصادية المختلفة بتكلفة تمويل منخفضة، ودعم قوتها الإنتاجية بشكل كبير، تأتى الخطوة الخامسة التى اتخذها البنك المركزى لتستهدف دعم القوة الشرائية للمواطنين حتى يحدث حراك فى السوق المحلية، ليغلق بذلك دائرة التأثير ويتناغم أداؤها.
وقام البنك المركزى فى هذه الخطوة باتخاذ عدة قرارات تدعم نمو القوة الشرائية واستمرارها حتى فى فترات الأزمات، وتتمثل أبرز هذه القرارات فى تأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد لمدة 6 أشهر مع عدم تطبيق عوائد أو غرامات إضافية على التأخر فى السداد، فضلاً عن إيقاف العمل بقرار تحديد فترة توفيق أوضاع البنوك فيما يخص إجراءات الاستعلام الميدانى عن موردى عملاء الائتمان، والذى قام بمدها عدة مرات، وذلك بهدف تيسير إجراءات منح الائتمان.
كما تضمنت القرارات مد فترة سريان مبادرة قروض التجزئة للعاملين بقطاع السياحة لمدة عام، على أن تنتهى فى ديسمبر 2020، ويتم خلالها السماح للبنوك بإمكانية ترحيل استحقاقات عملاء القروض لأغراض استهلاكية والقروض العقارية لمدة 6 أشهر من تاريخ استحقاقها للعملاء المنتظمين، مع عدم احتساب فوائد تأخير عن تلك الفترة، وعمل مبادرة للعملاء غير المنتظمين، حيث يقوم خلالها البنك المركزى بالتنازل عن جميع القضايا ضد العميل المتعثر وحذفه من قوائم الحظر فى حالة سداد 50% من أصل المديونية، دون العوائد المهمشة، وتحرير الضمانات غير النقدية أو الرهون الخاصة بتلك المديونية، وتسرى هذه المبادرة على الأفراد الطبيعيين الذين تقل مديونياتهم عن مليون جنيه لمدة عام.
البنوك الوطنية تكمل المسيرة
فى كل أزمة يأتى دور المؤسسات الوطنية لتقف بجوار الاقتصاد والمواطن، وتواجه معه التحدى، وتدفعه بعيداً عن الآثار السلبية المحتملة، وهذا ما فعله بنكا الأهلى ومصر، بطرحهما شهادات ادخارية بعائد قياسى 15%، لحفظ مدخرات الأفراد وتعزيز العائد عليها، حتى وإن كان ذلك سيخلّف تحديات على الأداء المالى للبنكين خلال العام الحالى، ليصبح هذا الإجراء بمثابة جزء أساسى من المسئولية المجتمعية للبنكين، اللذين عهدناهما دائماً فى خدمة الوطن والمواطن.
كما اتجه البنكان لاستخدام هذه الشهادة فى تخفيض التجمعات وتعزيز الثقافة التكنولوجية لدى المتعاملين من خلال طرحها عبر أدوات الإنترنت البنكى والموبايل البنكى، دون الحاجة للذهاب إلى الفروع.