فى رواية الراحل يوسف السباعى «أرض النفاق» التى تحولت إلى فيلم بطولة قيصر الكوميديا فؤاد المهندس، ثم أعيد إنتاجها فى مسلسل بطولة الفنان محمد هنيدى، يخوض البطل موقفاً لطيفاً حين يقرر إلقاء «شوال» مكتظ بحبوب الأخلاق فى ماء النيل ليشربه الناس ويتحولوا فجأة إلى آخرين يؤمنون بالصراحة ويهجرون الحانات والكباريهات وتظهر من جديد يافطات شقق للإيجار بعد أن تركها من كانوا يديرونها بالأمس فى تجارة الفسق. وظلت الأوضاع على هذا النحو حتى انتهى مفعول حبوب الأخلاق فعاد الناس سريعاً إلى ما كانوا عليه. بعيداً عن المفهوم الخاص الذى تبناه كاتب الرواية وصناع الفيلم للأخلاق، إلا أن الفكرة العبقرية التى يدور حولها العمل تعبر عن الإنسان الحائر فى البحث عن تفسير للأداء السلوكى للبشر المحيطين به.
لو أنك نظرت إلى أسلوب التفاعل البشرى مع حدث فيروس كورونا فسوف تكتشف كيف تؤثر الحيرة فى تفسير الإنسان للأحداث التى تقع حوله، وكيف يذهب الغموض بالعقل البشرى كل مذهب وهو يجتهد فى الفهم. العالم كله يقف حائراً أمام «كورونا»، كل الكلام متضارب. بعض الخبراء يقولون إن الفيروس سيستمر معنا لعدة شهور، وآخرون يرددون أن شهور الصيف ستقلل من حدته كثيراً. البعض يذهب إلى أن كورونا فيروس متحور ومستجد لفيروسات سابقة عرفها العالم مثل متلازمة الشرق الأوسط وسارس، والبعض الآخر يراه مؤامرة مصنوعة تقف وراءها أصابع خفية، وأنه شكل من أشكال الأذى الذى حاول طرف ما أن يلحقه بطرف آخر، لكن الأمور خرجت عن السيطرة. البعض يقول إن الفيروس يصيب كبار السن وقليلى المناعة فقط، وينكر آخرون ذلك ويؤكدون أنه يصيب الجميع: أطفالاً وشباباً وشيوخاً. حتى على مستوى الشعائر الدينية، لا يزال البعض يصر على الصلاة فى جماعة، على ما فى ذلك من خطر، ويردد قوله تعالى: «قُلْ لَن يُصيبَنا إلَّا ما كَتَبَ اللهُ لنا» أو «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ»، ويجادلهم آخرون بقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» وبنصائح النبى صلى الله عليه وسلم فى التعامل مع المدن التى تظهر بها أوبئة.
الحيرة تلف الجميع، وهى تزداد وتتعمق مع حالة العزل التى يجد فيها الإنسان نفسه فى مواجهة نفسه. وهى حالة لم يتعود عليها الكثيرون. وأكثر حلم يستبد بعقل الجميع فى مثل هذه الأحوال هو حلم «الحبة السحرية» الشبيهة بتلك الحبوب التى كان يبيعها عبدالرحيم الزرقانى فى فيلم «أرض النفاق» التى يبتلعها الشخص فتحوله من حال إلى حال وتعالج مشكلاته بمجرد أن تخرج منه عطسة مدوية. أخبار عديدة تتداولها وسائل الإعلام وتتابعها شعوب العالم بأعلى درجات الشغف تتعلق بدول عديدة تزعم أنها توصلت إلى دواء، أثبت بالتجربة قدرته على التعامل مع «كورونا». يتعلق الإنسان بالأمل كما تعلق «مسعود أبوالسعد» بعباءة العطار الذى يبيع حبوب الأخلاق، ويحلم بعطسة من نوع جديد، «عطسة» لا تصيبه بالهلع من احتمال انتقال الفيروس إليه، بل عطسة تعلن الدخول فى مرحلة الشفاء.. يا مسهل!.