يقول الله تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ». تجعل الآية الكريمة الدعاء شكلاً من أشكال العبادة، بل قل جوهر كل العبادات. فالصلاة دعاء، والصيام دعاء، والزكاة دعاء، والحج دعاء. وقد لخص النبى صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فى الحديث الشريف: «الدعاء مخ العبادة». جميل أن تلهج الألسنة بالدعاء إلى الله وقت المحن والأزمات، لكن الأجمل أن تتواصل هذه العبادة فى كل الأوقات: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّ مَره كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ». تلك حال الإنسان، فهو أشد ميلاً إلى الدعاء عندما يصيبه جهد أو شدة. فلحظتها يدرك ألا ملجأ من الله تعالى إلا إليه. وكأن الله تعالى يبتلى البشر حتى يضعهم فى حالة الوعى تلك وإدراك أن هذا الكون محكوم بإله قدير، منه البدء وإليه المنتهى.
شعوب العالم، ومن بينها شعبنا الطيب، تتزاحم على طرق باب الرحمن الرحيم من أجل رفع بلاء كورونا عنها. الكل يدعو ويبتهل إلى الله تعالى أن يرفع الضر عن عباده. والدعاء لا يحتاج الصراخ، ولا توجد حاجة للتظاهر الجماعى لحظة الدعاء، لأن الله تعالى «سميع بصير» وهو أقرب للإنسان مما يتخيل: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ». وأجمل الدعاء ما كان بظهر الغيب. ولعلك تعلم أن كلمة «الصلاة» تعنى لغةً «الدعاء»، وبالتالى فالإنسان المقيم للصلاة هو فى حالة دعاء متواصل إلى الله. وظنى أن أفضل اللحظات التى يمكن أن نتوجه إلى الله فيها بالدعاء هى لحظات الصلاة. قال النبى صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء».
الدعاء ذكر وعودة إلى الله، وحقيقة فقد لفتنى انخراط المصريين مع شعوب دول عديدة أخرى فى مظاهرات دعاء جماعى ضد «كورونا»، لكننى اندهشت من تلك الكتل البشرية التى تراصت إلى جوار بعضها البعض وهى تصرخ بالدعاء. التناقض فى المسألة واضح، فالناس تدعو الله أن يرفع عنها بلاء كورونا، لكن احتشادها وتزاحمها بهذه الكيفية يعد سبباً مباشراً لزيادة الإصابات. مؤكد أن الناس جميعاً واعية بذلك، لكن هناك من يقول إن الله تعالى هو الحافظ. قول معقول، لكنه لا يأخذ فى الاعتبار الأخذ بالأسباب: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا». نحن نجأر إلى المولى عز وجل بالدعاء بأن يرحمنا وأن يرفع هذا البلاء عن عباده فى أرضه الواسعة، لكن لا بد أن نفهم أن رحمة الله تعالى تصيب المحسنين الذين يأخذون بالأسباب فى مواجهة محن الحياة ونوائبها: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ». المؤمن يحسن فى الأخذ بالأسباب ثم يرجو رحمة ربه. نسأل الله الغفور الودود ذو العرش المجيد الفعال لما يريد أن يرفع هذه الغمة عن عباده الساعين فوق أرضه الواسعة وأن يرحم جميع من خلق. اللهم يا من يجيب المضطر إذا دعاه انظر إلى عبادك أبناء عبادك وإمائك بعين رحمتك وجميل مغفرتك وعفوك.