من المرات القليلة التى يوجه فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى الشكر للإعلام المصرى فى متابعة أزمة عدوى فيروس «كورونا»، ومن المرات القليلة التى يشيد فيها الرئيس بالدور الذى لعبه الإعلام فى التوعية بقضية ما ومنح الناس احتياجاتهم من معلومات تتعلق بقضية، دون تقليل من حجم الخطر أو حتى تهويل له، دعونا نعود بذاكرتنا قليلاً لنرى كيف كان يتصرف الإعلام تجاه قضايا الرأى العام، وكيف كان يدار الإعلام، وكيف كان يتصرف أصحاب الشأن فيه، فمع أى قضية تشغل الرأى العام كان يهرول الجميع خلف الحدث دون تنسيق أو خطة واضحة، فالجميع كان يسعى خلف «ركوب الحدث»، بلغة السوق الإعلامية، لصنع نجاحات شخصية بعيداً عن مصلحة المتلقى أو الوطن، الجميع كان يسعى خلف «الترند» و«الشير» ونسب المشاهدات، دون تقييم للوضع أو لخطورته، من المؤكد أن كاتب هذه السطور كان يرتكب نفس الأفعال، معتقداً أن محاولة فرض حالة من الانضباط على الإعلام سلب للحريات، وربما قتل لروح المهنة التى تزدهر مع كسر القيود وتحتضر مع كل رقابة يمكن أن تطولها، كما ذكرت الجميع كان يسعى لبناء نجاحات شخصية وتحقيق مكاسب دون النظر إلى خطورة ما يتم طرحه، ودون الانتباه إلى أن الإعلام أصبح التعامل به أشبه بمن يمسك بقنبلة مستعدة للانفجار فى أى وقت، لتصيبنا جميعاً، دون أن تفرق بين الصالح والطالح، ربما كان هذا الوضع يسبب قلقاً للمهنيين من المهنة قبل النظام الحاكم، لأن أى صحفى حقيقى كان يقف عاجزاً أمام مفردات السوق الجديدة، وما تشملها من «لايك» و«شير» و«ترند»، لأننا جميعاً نعلم أن هذه الأشياء لن تحققها الصحافة أو الإعلام المهنى والحقيقى، هذه الأدوات لا تتغذى سوى على الانفلات المهنى والأخبار الرخيصة، سواء قتل أو اغتصاب أو تعذيب أو اختفاء، أو سياسية، خصوصاً إذا كانت تتعلق بنقد الرئيس ورموز الدولة، بعد أن أصبح ممنوعاً على الجميع انتقاد أى مسئول حكومى مهما صغر أو كبر شأنه، فالدولة فى محاولتها لضبط الإعلام حرّمت على الجميع النقد، لأنها لم تعد قادرة على التمييز بين من ينتقد لمصلحة الوطن، ومن ينتقد لمصلحة حسابه البنكى أو جهة ما تدعمه، وفى هذه الأوقات كان من الحماقة أن تقف فى وجه التيار وتعاند وتصرخ بأن الإعلام يحتضر، لأن العاملين به، كما ذكرت، كانوا يعرفون حجم الفساد والاستغلال الذى كان يمارسه بعض نجوم المهنة، فكان الصمت هو لغة الأغلبية التى تفهمت الظرف، وبعد أن وضعت خطة لتنظيم العمل ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن السوق الإعلامية، وبعد أن تعرّف النظام وفرّق بين المرتزقة وأصحاب المهنة الحقيقيين، كان من الطبيعى أن تنضبط السوق، ويجتمع الإعلام على قلب رجل واحد أمام القضايا التى تمس الأمن القومى أو تهدد الوطن وسلامة شعبه، أصبح الجميع يتعاملون بمسئولية ومهنية، بالطبع هناك من يحاول اصطناع الوطنية الزائفة، وهناك اختيارات غير موفقة لظهور البعض، ولكن فى المجمل الإعلام أصبح أكثر مسئولية، وهو ما شعر به رئيس الجمهورية، ومن أجل هذا الشعور تحدّث بامتنان عن دور الإعلام خلال الفترة الماضية، وإن كنت أطمح أن تستمر النظرة الإيجابية للإعلام من قبَل الدولة، وأن يشهد الإعلام مزيداً من الحرية المرتبطة بالمسئولية من جانب القائمين عليه، لأننا جميعاً لا نريد إلا الخير والسلام والأمان لوطننا الغالى مصر.