ألا يصح أن يقف بنو آدم وقفة مراجعة مع النفس وهم يرون فيروس كورونا يضرب فى كل اتجاه ويتربص بالجميع على حد سواء، دون أن يفرق بين صعلوك وأمير، وحاكم ومحكوم، وغنى وفقير، ورجال ونساء، وأطفال وشباب وشيوخ، ورجال أعمال لا يعرفون لحساباتهم أولاً من آخر، وآخر يجد قوت يومه بالكاد؟ العلم بكل ما قطعه من أشواط، والطب بكل ما حققه من قفزات، والتكنولوجيا بكل ما أنجزته من طفرات تقف عاجزة عن اكتشاف كينونة هذا الفيروس الذى لا يُرى بالعين المجردة، يبحثون عن علاج أو لقاح دون أن يصلوا إلى شىء حتى اللحظة. بنو آدم فى كل دولة أو قارة من قارات العالم الإنسانى يكتفون بتبادل الشكايات والإحباطات والدمعات وأحياناً الاتهامات، رغم أن أكثر ما يحتاجونه الآن هو وقفة مع النفس والتفكير فى السبب الذى ساقهم إلى تلك الحال.
العديد من شعوب العالم تجد نفسها خيراً وأكثر تميزاً من غيرها، والإحساس بالتفوق يدفع صاحبه فى أحوال إلى النظرة الدونية إلى الغير، والنظرة الدونية إلى الغير كثيراً ما تدفع إلى ظلمه واضطهاده. مسئولون دوليون كثر ظنوا فى أنفسهم القدرة على السيطرة على العالم، وتوزيع الأدوار على دوله المختلفة بشكل يخدم مصالحهم وأهدافهم وتصوراتهم. وصلوا إلى مواقعهم بالشعارات الشعبوية وبالضحك على ذقون الناس وببيع أوهام القوة لهم، وعندما وضعوا فى الامتحان أثبتوا عجزاً ليس عن حماية شعوبهم، بل عن حماية أنفسهم أيضاً. فكرة خطيرة أصبحت تسيطر على بعض أوادم الأرض، تسوقهم أحياناً إلى الترخص فى استحلال الآخر، بل ويعتبرون أن من حقهم استنزاف جيبه، أو عقله، أو نفسه، أو جسده، حتى ولو انسحق تحت معول استنزافهم. يمارسون اللعبة الخطرة: «لعبة القوة». والإحساس بالقوة يغرى بالجور على الغير واضطهاده، رغم أنه أكثر الأحاسيس زيفاً فى الحياة الإنسانية.
لو فكر الإنسان بتأنٍّ فى رحلة حياته، فسوف يدرك أنه ريشة فى مهب ريح. أنشأه خالقه سبحانه وتعالى من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، هى قوة الشباب التى تدفع الأحمق إلى الشعور بالقدرة على السيطرة فى حين يراها العاقل قوة زائلة ما أسرع أن تتوارى خلف سحابات السنين التى تمر من عمر الإنسان ليرتد إلى «الضعف» من جديد: «اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً». القوة التى تقع بين ضعفين هى فى النهاية قوة زائفة. الله تعالى يريد أن يخفف عن الإنسان، لكن الإنسان يأبى إلا أن يُثقل ظهره بالحمول التى ينخ تحتها: «يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا». وأكثر ما يكسر ظهر الإنسان هو الإحساس الزائف بالقوة الذى يدفعه إلى حمل ما لاطاقة له به.
سيعبر البشر محنة كورونا، وسوف يكتشفون لقاحاً وعلاجاً له، لكن يبقى «التواضع» أخطر درس يجب أن نتعلمه جميعاً من هذه المحنة، التواضع فى تقدير حجم القوة التى يمتلكها البشر، وإدراك أنها نشأت من ضعف وإلى ضعف ثم زوال تنتهى، وأن يعرف الإنسان حجمه فى هذا الكون العريض، وأن يستوعب أن المعنى الحقيقى للقوة يتحدد فى الضعف وخفض الجناح لخلق الله الضعفاء: «إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا».