على شاشة قناة الجزيرة شاهدت تقريراً خبيثاً، كان التقرير يتحدث عن تأثير فيروس كورونا على ثلاث دول هى أمريكا وإسرائيل ومصر!
كان التقرير ضئيل الشأن من حيث المهنية، غير قائم على حقائق أو معلومات بقدر ما يعكس نوعاً من التفكير بالتمنى.. أى إنه يعكس ما تتمناه القناة لمصر وليس واقع مصر.
ما دعانى للتوقف أمام التقرير هو أننى كنت أفكر فى ذات الموضوع فى نفس الوقت تقريباً.. ما هو انعكاس أزمة «كورونا» على مصر؟.. ما هو انعكاس الأزمة على الدولة المصرية؟ ما هو انعكاسها على الناس؟ على علاقتهم بالدولة وبالحكومة؟.. والأهم ما هو انعكاسها على حياة الناس فى مصر؟.. إننى من المتفائلين بأن مصر ستعبر الأزمة بأقل خسائر ممكنة، وأن فيروس كورونا لن يتحول لدينا إلى كارثة صحية ينهار معها نظامنا الطبى.. يقف تفاؤلى هذا على ساقين إحداهما غيبية روحية.. ترى أن الله لن يعرّضنا لمثل هذا الاختبار.. وأن مصر (محروسة) بالفعل بطريقة أو بأخرى.. بينما الساق الثانية التى ينبنى عليها هذا التفاؤل هى حسن إدارة الدولة المصرية للأزمة.. فمبكراً استشعرت الدولة حجم الأزمة القادمة، وتعاملت معها بالجدية المطلوبة.. وقد استقبل الرأى العام هذه الجدية فى البداية بنوع من الاستخفاف، واللا مبالاة، وكان السبب فى هذا مزيجاً من التاريخ السيئ للمصريين مع الأداء الحكومى عبر عقود عديدة، فضلاً عن النشاط الروتينى لكتائب الإخوان الإلكترونية على السوشيال ميديا.. لكن تطورات الأحداث جعلت الناس يشعرون بنوع من الامتنان لأداء الحكومة توقف فى تحول تجاه المسئولين عن الصحة.. فضلاً عن تقدير عميق لنشاط الحكومة والدولة المصرية، واستشعار للخطر كانت نتيجته الاستجابة الفورية لحظر التجول ولفكرة العزل الاجتماعى نفسها.
ربما تترك أزمة «كورونا» آثاراً سيئة على الاقتصاد المصرى، كما ستفعل مع كل اقتصادات العالم، لكننى أزعم أنها ستترك أثراً إيجابياً على حياة المصريين الاجتماعية، لقد كان يشيع بين المصريين حتى سنوات مضت عبارة تقول إن أهم نعم الله هى الصحة والستر، وقد اختفت هذه العبارة، أو كادت، من على ألسنة المصريين، لكن أزمة الفيروس أعادتنا جميعاً إلى هذه العبارة.. إنك فى أيام العزل هذه تنظر إلى أطفالك وتحمد الله أنهم بصحة جيدة أمام ناظريك.. تنظر لهم وتقول فى قرارة نفسك ليس المهم الآن أن يكونوا فى مدرسة بعشرات الألوف من الجنيهات ولكن المهم أن يكونوا فى صحة جيدة.
أنت تنظر إلى أسرتك التى أبعدتك عنها العادات الاجتماعية الخاطئة حيناً، والسعى فى طلب الرزق حيناً، وتدرك أن أسرتك هى حصنك وملاذك الأخير، لقد أكلت العشرون عاماً الأخيرة الكثير من عادات التآلف الأسرى فى مصر، وأصبح رجال الطبقة الوسطى المصرية ينفقون أعمارهم بين السعى لكسب الرزق وبين الجلوس فى (الكافيهات) بشرائحها المختلفة، تاركين الأبناء نهباً لمواقع التواصل الاجتماعى الجديدة ولحياتهم وللأمهات.. وأظن أن الأمر سيختلف بعد أن نمر بهذه الأزمة.
من مميزات هذه الأزمة أيضاً أننا بتنا الآن ندرك أن النقود ليست كل شىء، وأن هناك أشياء أخرى لها قيمة.. وهو معنى غاب مؤخراً عن حياة المصريين.
من مميزات الأزمة أيضاً أن رجال الدين لدينا عادوا إلى فضيلة الاجتهاد، واقتربوا من فقه الواقع، وأن الغالبية العظمى من المصريين قد تقبلوا ذلك، ولا أظن أن ما بعد «كورونا» سيكون كما قبلها.
من المميزات أيضاً أن الرجال المصريين الذين بقوا وسيبقون فى البيوت لفترة كافية سيكونون أكثر إنصافاً للمرأة التى شاطرها بعضهم واجبات المنزل على سبيل تضييع الوقت، وبقى بعضهم شاهداً صامتاً على المجهود الذى تقوم به، وهو مجهود يجب الاعتراف به بعد طول إنكار من الرجل.
علّمتنا هذه الأزمة أيضاً أن نعود للمتع البسيطة فى حياتنا والتى أهملناها فى العقود الأخيرة.. أنت قد تكون سعيداً وأنت تتحدث مع أبنائك أو تتناول معهم «اللب والسودانى» أو تلعب معهم لعبة بسيطة بأكثر من سعادتك وأنت تصطحبهم أسبوعياً إلى المول.. كل ما فى الموضوع أنك لا تدرك هذا وربما لا تتخيله من الأساس..
ما أريد أن أقوله إن الأزمة أعادتنا لسنوات كنا فيها أبسط، وأكثر رضاً.. وأقل مادية.. ولعل فى هذا بعض الخير.