مساء يوم الأربعاء الموافق 25 مارس 2020م، وفى منشور على «الفيس بوك»، قال الأستاذ الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائى وعميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق: «قد يكون -فى ظل الظروف الراهنة- من الملائم إعادة دراسة ملفات المحبوسين احتياطياً... فى غير حضور المتهمين أو المحامين... وبحيث لو تبين بعد الفحص عدم وجود أسباب قوية جداً لاستمرار الحبس يتم النظر فى إخلاء السبيل... وإذا تم ذلك يتم فحص كل من يتقرر إخلاء سبيله فإذا ثبت أنه حامل للفيروس يتم وضعه فى العزل... وبهذا يمكن أن نحقق عدة أهداف كلها تصب فى الحد من انتشار هذا الوباء... فمن ناحية، سيؤدى ذلك إلى تخفيف العبء عن أماكن الاحتجاز وتسهيل إجراءات الوقاية داخل هذه الأماكن... ومن ناحية أخرى، يخفف ذلك العبء عن المحاكم والنيابات والمحامين وتجنب الحضور لكل أولئك وتجنب حضور المتهمين بما يتطلبه ذلك من حراسة... إلخ، للتجديد الدورى لمدد الحبس... وبذلك نخفف كثيراً من فرص انتقال العدوى... هذا طبعاً مع إمكانية إعمال النصوص الإجرائية التى تسمح باتخاذ الإجراءات التحفظية البديلة كالإلزام بعدم مبارحة محل الإقامة... ومع استثناء من توجد أدلة قوية على ضلوعهم فى جرائم إرهابية... مجرد رأى للدراسة والنظر».
فى المقابل، وفى الثالث والعشرين من مارس 2020م، نشر حساب قوى الأمن الداخلى اللبنانى على تويتر الخبر التالى: «فى سابقة من نوعها فى لبنان، وفى ظل الإجراءات المتخذة للوقاية من انتشار #coronavirus، جرى استجواب موقوف قاصر سورى الجنسية (مواليد 2002) عبر تطبيق whatsapp-video call فى فصيلة أميون من قِبل قاضى التحقيق جوسلين متّى، بناء لإشارة النائب العام التمييزى، وقد أُخلى سبيله بموجب كفالة مالية». وتعليقاً على هذا الخبر، قال أحد رجال القانون: «القاضية جوسلين متّى تسجل أول استجواب بواسطة الواتساب... وتنتهى المقابلة بالإفراج عن شابين محتجزين فى مخفر. الكورونا تسرع دخول الحداثة إلى قصور العدل»، معرباً بعد ذلك عن أمله فى «انتهاء مشروع مكننة المحاكم بالسرعة الممكنة». وامتدح البعض تصرف القاضية جوسلين متّى، قائلاً: «إنها القاضية السباقة فى استخراج الحلول واتخاذ قرارات ذكية وصارمة وعادلة».
والواقع أن النصوص القانونية توجب سماع أقوال المتهم وأقوال المدافع عنه، قبل إصدار الأمر بحبسه احتياطياً (المادتان 134 و136 من قانون الإجراءات الجنائية) أو إصدار الأمر بمد الحبس (المادتان 142 و143 من قانون الإجراءات الجنائية). وعلة هذا الشرط هى أن تتجمع لدى المحقق عناصر تقدير ملاءمة الأمر بالحبس الاحتياطى. ومع ذلك، وأثناء إجراءات المحاكمة، وإذا تعذر حضور المتهم، يجوز للمحكمة الناظرة للدعوى أن تقرر تأجيلها إلى جلسة أخرى مع استمرار حبسه. ويمكن تأسيس هذا الحكم على نظرية الضرورة الإجرائية. ونعتقد أن اقتراح الدكتور محمود كبيش له ما يبرره، ليس فقط فى ظل الظروف الحالية وتوقياً للمخاوف المثارة من انتشار وتفشى فيروس كورونا. وسندنا فى ذلك أن المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية تحدد مبررات الحبس الاحتياطى، بنصها على أن الأمر بالحبس الاحتياطى منوط بتوافر إحدى الحالات أو الدواعى الخمسة الوارد ذكرها فى هذه المادة، وهى: إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره؛ الخشية من هروب المتهم؛ خشية الإضرار بمصلحة التحقيق، سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود، أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها؛ توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة؛ إذا لم يكن للمتهم محل إقامة ثابت ومعروف فى مصر. وبإمعان النظر فى كل حالة منها، يبدو سائغاً القول إن الفصل فى توافر هذه الحالات أو الدواعى من عدمه لا يتوقف بالضرورة على حضور المتهم بشخصه وسماع أقواله. ويندر أن تكون أقوال المتهم مؤثرة فى تقدير المحقق بهذا الشأن. وعلى كل حال، فإن الآلية التى اتبعتها القاضية «جوسلين متّى» قد تكون الوسيلة المثلى لتحقيق مقتضيات النص القانونى، دون الإضرار بالمصلحة العامة، متمثلة فى اتخاذ التدابير اللازمة للحد من انتشار فيروس كورونا، وما يقتضيه ذلك من عدم نقل المحبوسين احتياطياً من مكان حبسهم، بما يؤدى إليه من تزايد فرص إصابتهم بالمرض أو تسببهم فى نقله إلى غيرهم. ويكفل هذا الحل أيضاً استمرار منظومة العدالة الجنائية فى كل الأوقات، ورغم كل الظروف.. والله من وراء القصد.