خرج بعض الناس يقولون إن فيروس «كورونا» غضب من الله، بسبب ابتعاد الناس عن الدين والأخلاق، وأن الله جاء بهذا الوباء لينتقم من الناس!! وهذا كلام عبثى هزلى ليس له قيمة علمية، ومخالف للواقع، ومخالف لسنة الله فى كونه، بدليل أن الوباء أصاب المسلم وغير المسلم، وأصاب الطائع والعاصى، وأصاب الركع السجود فى بيت الله الحرام، كما أصاب الفاسق الفاجر، وأصاب الكبار والصغار والرضع والأطفال والأغنياء والفقراء، ولو كان المراد هو انتقام الله بسبب المعاصى لاكتفى الفيروس باقتحام أجساد قيادات الجيش الإسرائيلى مثلاً، ولترك المصلين العابدين الساجدين الراكعين المطيعين لله ولرسوله، فهذا ربط هزلى عشوائى.
إنما الربط العاقل الذى يتماشى مع الفهم الصحيح للدين ولكتاب الله المسطور (القرآن الكريم)، وكتاب الله المنظور (الكون)، بين الدين وفيروس كورونا، بل بين الدين وكل وباء مماثل أن نقول إن الله -سبحانه وتعالى- أراد بحكمته أن تكون الحياة كلها ابتلاء بالنسبة للإنسان، بخيرها وشرها، فالطاعون والوباء والمرض والفقر والحر والبرد ابتلاء من الله للبشر، كما أن العطاء والنجاح والتفوق والفوز والصحة والقوة والغنى ابتلاء من الله للبشر، وقد يكون ابتلاء الشر نعمة، وقد يكون ابتلاء الخير نقمة، «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم».
وفى سورة الأنبياء يقول ربنا: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، ويقول فى سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»، والله وحده هو الذى يعلم حقيقة ما إذا كان الذى يصيب الإنسان هو ابتلاء مأجور عليه، أم هو عقاب للإنسان من جراء أفعاله، كل ذلك موكول إلى الله وحده، لا يجوز للبشر أن يتدخلوا فيه، وحقيقة العلم فى ذلك والحكمة منه والجزم بأنه ابتلاء أو عقاب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، لأن هذا أمر غيبى.
أيضاً الربط العاقل بين الدين والأمراض والمصائب عموماً أن نقول: إن الله دعا الإنسان الذى يتعرض للشدة والمصائب أن يرجع إلى الله بالتوبة الصادقة والاستغفار الكثير ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يدعو الله أن يرفع عنه البلاء، وعليه أن يلتزم التزاماً كاملاً بتعليمات وإرشادات أهل التخصص، وأهل التخصص هنا هم وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
الربط الصحيح بين الدين والوباء أن نقول: إن على الإنسان أن يعوّد نفسه على تحمل المصائب، وعلى الرضا التام بقضاء الله وقدره، ثم هو بعد ذلك لا يضره البحث عن سبب البلاء، علمه أو جهله، والقوة المعنوية التى يبثها الإيمان بالله فى نفس المريض لها دور كبير فعَّال فى الشفاء، كما يقول الأطباء.
الربط العاقل بين الدين والمرض أن نقول إن الإنسان لم يكن ليخطر على باله أن الاجتماع نعمة، والمصافحة نعمة، مَن كان يتصور أن مجرد اجتماع الناس فى الطرق والمواصلات نعمة من الله، وأن مجرد المصافحة نعمة من الله، وهذا يفسر لنا قوله تعالى: «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»، وهنا يخرج الشخص وقد امتلأ قلبه حمداً وشكراً لله المنعم صاحب الفضل علينا.
أما الكلام عن ربط وباء عالمى عام بالأخلاق أو المعاصى أو بدين الشخص أو ملته أو مذهبه، فهذا ربط هزلى عبثى غير عاقل يضر بالدين.