منذ أيام قليلة.. وقع الرئيس الأمريكى على قانون الإنتاج الدفاعى.. وهو قانون يتيح له «إجبار» الشركات الخاصة على توجيه خطوط إنتاجها فى اتجاه معين.. وأصدر بموجب القانون أوامره لقطاعات الصناعة الأمريكية، وعلى رأسها شركة جنرال موتورز، بزيادة إنتاج وتوفير الإمدادات الطبية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا المستجد.. وتوفير ما يلزم من أجهزة تنفس صناعى لمواجهة الأعداد المطردة من المصابين!
ربما يتناقض هذا الفعل مع تصريحات الرئيس الأمريكى نفسه كل يوم لشعبه.. التى تؤكد قرب القضاء على المرض فى الولايات المتحدة.. بل ومحاولاته المستمرة لإثبات أن المرض لن يستمر طويلاً.. فأين الحقيقة.. وماذا يخفى المستقبل لهذا العالم؟!
فى البداية ينبغى أن نعرف جميعاً أن الفيروسات لا تختفى.. فهى تأتى لتبقى.. بل وتستمر فى عملها وتتطور كل فترة لتخرج لنا بأعراض جديدة أقوى وأكثر شراسة.. تلك هى الحقيقة التى يعرفها كل طبيب على ظهر الكرة الأرضية.. وهنا يبرز السؤال المرعب.. وهو هل يمكن أن نواجه الأمر مرات أخرى بعد اجتياز هذه المحنة؟!
الإجابة للأسف هى نعم.. بل إن إجراءات العزل الحالية التى ينتهجها العالم كله هدفها الأساسى هو تخفيف الضغط على الأنظمة الصحية كى لا تنهار مرة واحدة.. وتؤدى إلى موجات جديدة من هذا المرض كلما تم تخفيف تلك الإجراءات.. فما الحل؟!
الحل ببساطة يكمن فى رفع قدرة النظام الصحى للدرجة التى تمكنه من استيعاب تلك الموجة إن تكررت.. أو استيعاب موجات أخرى من أمراض جديدة قد تظهر فى المستقبل..
الحل فى ما يدعى «باقتصاد الحرب»، وهو الأمر الذى فعلته الولايات المتحدة نفسها إبان الحرب العالمية الثانية.. فقد خصصت وقتها الموارد النادرة -مثل المطاط والنحاس والنفط- للاستخدامات العسكرية فقط.. وأقنعت الشركات الخاصة للتحول إلى الإنتاج الحربى.. بل إنها دمجت ثلثى الاقتصاد الأمريكى فى المجهود الحربى بحلول نهاية عام 1943.. حتى تمكنت من تكوين جيش قوى ساعد الحلفاء فى النصر.. بل وساهم فى تشكيل موازين القوى فى العالم الجديد بعد الحرب.. والذى ربما نعيش فيه حتى الآن!!
لقد أثبتت الأيام الماضية حاجة النظام العالمى لتغيير جذرى فى أسلوب التعامل مع الأزمات.. وكشفت عن العديد من الثغرات فى الأنظمة الصحية العريقة فى العديد من الدول.. الأمر الذى أدى لتساقط تلك الأنظمة لنقص فى الأجهزة الطبية أو القوة البشرية العاملة فى المجال الطبى.. لهذا فقد قرر الرئيس الأمريكى أن يبدأ سباق العالم الجديد «ما بعد كورونا» مبكراً.
ستمر تلك الأزمة على خير بإذن الله على هذا الوطن.. أثق فى ذلك لما أراه من إجراءات استباقية غير مسبوقة.. كما أثق فى رحمة الله بهذا الوطن.. ولكننى فى الوقت نفسه أتمنى ألا نفقد تلك الفرصة بأى شكل..!
نحتاج إلى اقتصاد أشبه بما فعلته الولايات المتحدة فى الحرب العالمية الثانية وما تكرره الآن.. نحتاج إلى توجيه كل إمكانيات الدولة فى أقصر وقت ممكن لرفع كفاءة النظام الصحى فى مصر.. نحتاج إلى تصنيع الأجهزة الطبية بشكل مكثف.. إلى رفع عدد أجهزة التنفس الصناعى فى المستشفيات المصرية لأضعاف العدد الحالى.. إلى رفع كفاءة الأطباء والطاقم الطبى كله.. نحتاج إلى زيادة عدد الأطباء العاملين ورفع مستوى دخلهم.. حتى نصبح مستعدين لموجات أخرى.. ولإعادة تشكيل العالم بعد انتهاء الأزمة..!
لدينا فرصة ذهبية لنحجز موقعنا فى العالم الجديد.. الذى أثق أنه لن يكون كما كان.. لن يكون أبداً.. أو هكذا أعتقد..!